تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة “ترجم”، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.
إن عقد مقارنة بين معاناة البشر ومعاناة الحيوان من أكثر الأساليب الاستفزازية التي يستعملها معارضو استغلال الحيوان. إذ تجد مارجوري شبيغل في كتابها “المقارنة المروّعة: استعباد الإنسان والحيوان” أوجه تشابه بين قمع البيض للعبيد الأفارقة في أمريكا والاستغلال البشري لغير البشر. حيث تؤكّد شبيغل أن الحيوانات غير البشرية تخضع، مثل البشر المستعبَدين، للدمغ، والتقييد، والضرب، والمزادات، وتفريق الذريّة عن الوالدين، والتنّقل القسريّ.
يبحث تشارلز باترسون في كتابه “معسكر تريبلينكا الأبديّ: معاملتنا للحيوانات والهولوكوست” مأساة إنسانية أخرى لمقارنتها بتربية الحيوان. حيث تشير كلمة “الأبديّ” في عنوان الكتاب إلى اختلافٍ واحد بين المحاولة النازيّة للتخلص من يهود أوروبا وتربية الحيوانات لأكلها — إذ تمثّل تربية الحيوانات حلقة مستمرة من التربية والقتل وليست حملة إبادة تغذيها الكراهية —لكن يمكن أن تنطوي الإبادة الجماعيّة وتربية الحيوانات على حدٍ سواء على تشييء وقتل جماعي فعّال.
كما يقارن بعض ناشطو حقوق الحيوان إنتاج الألبان بالاعتداءات الجنسيّة، لأنه كثيرًا ما تُلقَّح الأبقار صناعيًا من أجل الحمل وإدرار اللبن باستمرار.
هذه المقارنات صادمة. لكن هل هي منطقية؟
أحيانًا ما يكون إدراكنا لما هو خارجي، للصور أو المشاهد المزعجة، إسقاطًا لمشاعرنا الخاصة كمراقبين؛ بينما لا يتطابق ذلك مع ما يشعر به بالفعل ضحايا هذا التصرف الخارجي. على سبيل المثال، يبدو ذبح الحيوانات دموي ومزعج، لكن عندما تُضرب الحيوانات بتبلّد، فنحن من يشعر بالانزعاج وليست هي.
لكي يكون للمقارنات البشرية بتربية الحيوان وجاهتها، فإن تجربة الحيوان المستزرع يجب أن تكون مماثلة للتجربة الإنسانية في ظروف متشابهة ظاهريًا. أمن الأمن افتراض أن البقرة التي تُربى من أجل الغذاء تعاني ذات الإذلال والآلام ودافع الحرية الُمحبَط التي يعانيها إنسانٌ مُستعبَد، أو ضحية تحرش جنسي، أو إبادة جماعية؟ إذا كان الجواب لا، فإن المجادلات التي تُساوي معاناة الحيوان بمعاناة الإنسان مغلوطة منطقيًا.
يعترف ناشطو حقوق الحيوان ضمنيًا بأن الإدراك الداخلي أساسي عند حديثهم عن أهمية الإحساس. فنحن نُسيطر على النباتات وندّمرها، لكن لا يهتم بذلك سوى القليل من الناس لأنه يُفترَض أن ضحايانا من النباتات لا تدرك أيًا من ذلك. ونحن لا نواجه عادةً تحديًا بأن نتخيّل أنفسنا سيقان ذرة مزروعة صناعيًا، وجذورنا عالقة تحت الأرض، غير قادرين على الإطلاق على الجلوس أو الاستلقاء، تنقرنا الغربان ويتم حصادنا بوحشيّة. فسيكون ذلك، مع السمات الجسدية والقدرات المعرفية للإنسان، تعذيبًا، لكننا نفترض على نحوٍ معقول أن هذا الأمر ليس سيئًا للغاية بالنسبة لسيقان الذرة القاسية التي تفتقر إلى الدماغ.
إذن فالاعتراض ليس على الاستغلال في حد ذاته، ولكن الاعتراض على الاستغلال المؤذي. ومع ذلك، فإن هذا يُثير احتمالية قبول الهيمنة والسيطرة على الحيوانات إذا تمكّنا من إجراء ذلك دون معارضة الحيوانات على نحوٍ كبير. هل هناك سبب للاعتقاد بأن الأمر كذلك؟
نعم، إذا ما قبلنا الافتراضات الثلاثة التالية:
قد يبدو من الصعب قبول الافتراض الأول، بالنظر إلى الحقائق الوحشية للتربية الحديثة للحيوانات. إذ تُربى أغلب حيوانات المزرعة في مزارع مصانع مُكثَّفة حيث تعاني في معظم حياتها القصيرة. حتى المزارع الصغيرة ذات الرفاهية العالية تميل إلى إخضاع حيواناتها إلى بعض الإجراءات المؤلمة على أقل تقدير مثل الإخصاء دون تخدير، أو نزع قرونها، أو فصل الأمهات عن صغارهن حديثي الولادة.
ورغم ذلك، فإن المنتجات الحيوانية الفائقة الرعاية أمرًا ممكنًا وليس خياليًا. لنأخذ بعين الاعتبار أعلى مراحل برنامج تصنيف رعاية الحيوان “خمس خطوات” في سوق الأغذية الكاملة؛ فيما يخص لحوم البقر، فإن هذا البرنامج يحظر الدمغ، والإخصاء، وحز الأذن، وفصل الأمهات عن العجول لفطامها مبكرًا والرحلات الطويلة إلى المجازر. وفيما يخص الخنازير، فإنه يضمن عدم فصلها أبدًا عن أقرانها، وهو أمر مهم بسبب الطبيعة الاجتماعية للخنازير. وفيما يخص الدجاج، فإنه يعني توفر الكثير من المساحة لدى الدجاج وعدم لزوم تكبّدها لمعاناة التغيرات الجسدية مثل قص مناقيرها.
على الرغم من عدم تلبية أيٍ من المزارع تقريبًا لهذه المعايير، لكن إذا كان المزيد منا على استعداد أن يقدم تنازلات بشأن سعر اللحوم التي نأكلها، ومذاقها، وكميتها، وقوامها، فمن الممكن أن يتواجد ويزدهر المزيد من هذه المزارع.
يمكن كذلك أن تؤدي عمليات التقدم في التكنولوجيا وتربية الحيوان إلى تحسين رعايته. إذ من الممكن أن يؤدي الاستيلاد الانتقائي للأبقار التي تُرضع لمدة عامين أو أكثر بعد الولادة، وهي ممارسة تسمى إنتاج الألبان المستمر، إلى تقليل عدد المرات التي تحتاجها البقرة الحلوب للحمل لإنتاج اللبن. ويمكن بالفعل تنفيذ الذبح غير المؤلم عند إجراء الذبح بعناية، وسيصبح ذلك أسهل إذا كنا نُربي أعدادًا أقل بكثير من الحيوانات من أجل الطعام ولا ندفع بالآلاف في مجزرٍ واحد في خلال يومٍ واحد.
إذا عاملنا الحيوانات معاملةً جيّدة خلال فترة حياتها وأجرينا عملية الذبح بطريقة غير مُجهدة، فسيبدو الافتراض الثاني عندئذِ — بأن الحيوانات لا تعي أننا نُربيها من أجل الغذاء — أنه يتحقق تلقائيًا. إن إمكانية تحميل الحيوانات بسلام على شاحنات وقيادتها بهدوء إلى الذبح يُشير إلى أن الحال كذلك. تكتب عالمة الحيوان تمبل غراندين في كتابها ” الحيوانات تجعلنا بشرًا: خلق أفضل حياة للحيوانات”:
كثيرًا ما يُطرَح علي سؤال، “هل تعلم الماشية أنها سوف تموت؟” كان يجب عليّ الإجابة عن هذا السؤال بينما كنت أكمل دراساتي العليا. لكي أعثر على الإجابة، شاهدت الماشية تمر من خلال المجرى البيطري في معلفٍ ما ومن ثم في نفس اليوم شاهدتها تمشي على المجرى في مُنشأة سويفت. وما أثار دهشتي هو أن الماشية تصرفت بنفس الطريقة في كلا المكانيْن. فلو كانت تعلم أنها ستموت، لتصرفت بشكلٍ أكثر وحشية مع المزيد من المقاومة والركل في مُنشأة سويفت. في المُنشأة، كان التعامل أفضل وكانت الماشية في الغالب أكثر هدوءاً.
إذا استطعنا أن نقود الحيوانات إلى موتها دون معرفتها على الإطلاق، فمع وجود أفضل مزارع للحيوانات، يكاد يكون القلق الوجودي من استغلال الحيوانات وهلاكها بالتأكيد في عقولنا فحسب وليس في عقولها.
في الآونة الأخيرة، كانت هناك مقترحات ذات مفهوم رفيع بمواصلة الاستغلال دون ألم على نحوٍ أكبر. تتضمن بعض الأفكار تربية الحيوانات المُعدَّلة وراثيًا التي لا تشعر بالألم، واستنبات منتجات لحيوانات غير حساسة في المعامل، وتزويد الدجاج بقبعات الواقع الافتراضي ليظنوا أنهم يعيشون في بيئة لطيفة حتى وإن لم يكونوا كذلك. قد لا تكون هذه الأفكار عملية بشكل كافٍ بعد، لكنها تساعد في إلقاء الضوء على المبدأ الذي يمكن أن يسمح بتربية الحيوانات ولكن ليس بالعبودية البشرية والإبادة الجماعية: بأن الاستغلال لا يكون ضارًا إلا عندما يكون المستَغَل قادرًا على ملاحظته والاستياء منه.
لأن الافتراض الثالث – بأن عيش حياة سعيدة، ولكن قصيرة ليس أسوأ من عدم العيش على الإطلاق — هو جزم فلسفي وليس سؤالاً تجريبيًا يقبل الاختبار، فقد لا يكون له جوابًا قاطعًا. ومع ذلك، نستطيع أن ندافع عنه من خلال استشارة الفيلسوف الإغريقي إبيقور وتلميذه الروماني لوكريتيوس. فقد حاجج إبيقور بأنه لا شيء يدعو للخوف من الموت، لأنه عندما ينتهي الوجود لشخصٍ ما، فإنه يتوقف عن الشعور بأي شيء وبالتالي لا يمكن أن يُعاني من الأذى أو من الحرمان من موته. وأضاف لوكريتيوس إلى ذلك “حجة التناظر” الخاصة به، التي تقول أنه طالما لم يطيلنا شيئًا سيئًا من الزمن الذي سبق وجودنا، فلا ينبغي أن نرى شيئًا سيئًا يخصنا في الزمن الذي يعقب وجودنا، وبالتالي لا ينبغي أن نأسف على موتنا في وقتٍ أبكر أكثر من أسفنا على ولادتنا في زمنٍ لاحق. إذا كان عدم ما قبل الولادة مطابقًا لعدم ما بعد الموت، فلماذا يُقبل الأول ويُرفض الأخير؟ إذا اتفقنا مع أبيقور ولوكريتيوس في هذه النقطة، فلا يبدو أن تربية الحيوانات أمرًا قاسيًا في الوجود حتى مع نية أن تكون حياتها قصيرة.
أُدرك أن حتى القبول الجماعي المفاجئ لهذه الافتراضات الثلاث لن يُرضي جميع معارضي تربية الحيوانات، لأنه حتى لو أزلنا المعاناة الجسدية والنفسية من المعادلة، فربما لا يزال هناك الضرر غير الملموس للظلم الرمزي. فقد صُمِّمت كينونات حيوانات المزرعة، رغم محاولاتنا لجعلها ممتعة، في نهاية المطاف من أجل مصلحتنا الأنانية وقد يكون هناك شيء شرير في هذا الأمر.
لكن تذكّروا أنه قد يبدو شريرًا من وجهة نظرنا فحسب. فإذا كانت حيوانات المزرعة تفتقر إلى الأشكال المعقّدة للاتصال والوصول إلى المعلومات التي من شأنها أن تسمح لها بإدراك أنها موجودة لتصبح طعاماً لنا، وإذا لم تتعرض للتعذيب الجسدي طوال فترة حياتها، فإنها ستتجنب جميع الجوانب الأسوأ للاستغلال البشري.
لا يتخّلص ذلك من الاعتراضات المرتبطة بالتعامل غير المتساوي للحيوانات بقدر ما يرفع مستواها. إذ لا يعني رفض الانحياز المؤيد للبشر اعتبار تربية الحيوانات مكافئة للقمع البشري، ولكن إذا كان جهل الحيوانات لاستغلالهم هو عذرنا لاستغلالهم، فيجب علينا أن نقبل تداعيات ذلك بأنه: يجب علينا أن نؤيد الاستغلال لأنفسنا طالما أننا ننعم بجهلنا به.
الكاتب: ريس سوثان، نباتي سابق كتب عن أخلاقيات أكل الحيوانات لمجلة أيون Aeon، و المزارع الحديث Modern Farmer و مُدونته “دعوهم يأكلون اللحوم” Let Them Eat Meat.
المترجمة: باحثة دكتوراه في الأدب. عضوة في جمعية الفلسفة، ونشرت لها الجمعية عدة ترجمات.
The Enigma of Animal Suffering
Rhys Southan
“الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”