[هنري أوديرا أوروكا H. Odera Oruka (1944-1995) فيلسوف كيني. أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في الفلسفة الأفريقية في القرن العشرين. ]
ترجمة: د. معين روميه
غالبا ما يستدعي تعبيرُ “الفلسفة الإفريقية” السؤالَ التالي: “ما الفلسفة الإفريقية؟” وقد برزت مقترحات ومطالعات متنوعة في سياق السعي للإجابة عن هذا السؤال أو لعرض أمثلة عن الفكر الفلسفي الإفريقي. ويكشف تحليل أعمق لها عن فكرة مفادها أن ثمة عموما معنيين أو استعمالين متميزين جذريا لتعبير “الفلسفة الإفريقية”. فمن ناحية، تفسَّر الفلسفة الإفريقية أو تعرَّف عبر معارضتها بالفلسفة في القارات الأخرى، ولا سيما الفلسفة الغربية أو الأوروبية. ويُفترض وجود طريقة تفكير أو إطار مفاهيمي إفريقي على نحوٍ فريد، وهو في الوقت نفسه غير أوروبي جذريا. ولذلك يُنظر إلى الفلسفة الإفريقية على أنها مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تنتجها طريقة التفكير الفريدة هذه. ففي حين تتسم الفلسفة الأوروبية، كما هو معروف، بالتحليل النقدي والدقيق والتفسير المنطقي والتركيب، تعدّ الفلسفة الإفريقية خلوّا من هذه الخصائص، وتُعتبر في أساسها حدسية وصوفية ومضادة للعقلانية أو خارجها.[1]
ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى الفلسفة عامة بوصفها فاعلية أو فرعا معرفيا كليا. ولذا يُعتقد أن معناها (إن لم يكن محتواها) مستقل عن الحدود والتخصصات العرقية أو الإقليمية. تُعتبر الفلسفة فرعا معرفيا يستخدم، بالمعنى الدقيق للكلمة، منهج البحث النقدي والتأملي والمنطقي. ومن ثم لا يُتوقع أن تكون الفلسفة الإفريقية استثناءً من هذا المعنى. ولذلك فإن الحديث عن إطار مفاهيمي إفريقي على نحو فريد أو طريقة تفكير (ذهنية إفريقية) فيما يتعلق على الأقل بمجال الفلسفة ليس أمرا للتندر. فلا يُنظر إلى الفلسفة الإفريقية على أنها ظاهرة إفريقية خاصة (لأن معظم المشكلات الفلسفية تتجاوز الحدود الثقافية والعرقية)، بل فقط كمجموعة من الأفكار الناشئة عن مناقشة الأفكار الفلسفية الأصيلة من قِبل أفارقة أو في السياق الإفريقي. وبهذا المعنى تُرى الفلسفة الإفريقية لجهة المساهمة الإفريقية الماضية أو الحالية أو المحتملة في حقل الفلسفة بالمعنى الدقيق للمصطلح. وبالتالي، فإن الفلسفة باعتبارها فرعا معرفيا يستخدم المنهجية التحليلية والتأملية والعقلانية ليست حكرا على أوروبا أو أي عرق لوحده، بل هي فاعلية يتصف كل عرق أو شعب بإمكانية النهوض بها.
إلى جانب هذين المعنيين الواسعين، من المحتمل أن نكتشف معنى ثالثا، أي معنى قوامه بعض جوانب كل من المعنيين السابقين لكنه مع ذلك غير واضح أو قارّ تماما. وبالطبع، توجد أيضا اختلافات مهمة داخل كل واحد من هذه المعاني.
ولكن، من بين هذا العدد الهائل من الاختلافات حول مسألة معنى الفلسفة الإفريقية ووجودها، يمكن تحديد أربعة اتجاهات مهمة: (1) الفلسفة الإثنية Ethno-philosophy، (2) الحكمة الفلسفية Philosophic sagacity، (3) الفلسفة القومية الإيديولوجية Nationalist-ideological philosophy، و (4) الفلسفة المتخصصة Professional philosophy.
الفلسفة الإثنية
حين نفترض أن التصور الإفريقي للفلسفة والمساهمة فيها لهما طبيعة مختلفة تماما عما لدى الشعوب الأخرى، ولا سيما الأوروبيين، يواجهنا، منطقيا، التحدي المتمثل في بيان طبيعة المساهمة الإفريقية وتفرّدها. وفي هذا البيان، يغدو العاملان اللذان يرتبطان غالبا بالفكر الأوروبي أو اليوناني، أي المنطق والفردانية، هدفين واضحين للرفض.
على سبيل المثال، حاجّ ليوبولد سنغور Léopold Senghor بأن المنطق يوناني في حين أن العاطفة إفريقية. كذلك سُلِّم بأن الفلسفة الأوروبية فردانية، أي مجموعة من الأفكار ينتجها أو يصوغها مفكرون أفراد على اختلافهم وتنوعهم. ولذلك استُدعيت الجماعوية communality، باعتبارها السمة الأساسية للفلسفة الإفريقية، في مقابل الفردانية. عبّر عن ذلك الأب. ب. تمبلز P.Tempels في مؤلَّفه الملحمي فلسفة البانتو Bantu philosophy بالقول “إن حكمة البانتو المبنية على فلسفة القوة الحيوية يقبلها الجميع، ولا تخضع للنقد”، لأن المجتمع بأكمله يعتبرها “الحقيقة الخالدة”. (هكذا) (1945:75).
إن الاستعاضة عن المنطق (أقلّه بالمعنى المعتاد) والفردانية بالعاطفة والجماعوية تستدعي تحدي عرض أمثلة دقيقة عن الفلسفة الإفريقية أو أقلّه مجالات الثقافة الإفريقية التي يمكن فيها العثور على هذه الفلسفة. ها هنا خصوصياتُ العادات الإفريقية التقليدية أو الجماعوية، والأشعار، والمحرمات، والأديان، والأغاني، والرقصات، وما إلى ذلك، تبدو بكل يُسر مرشَّحات مؤكَّدة لما نبحث عنه. وهي في الواقع تتعارض جذريا مع العناصر العقلانية في الفلسفة التأملية والنقدية والجدلية. وبالتالي نصل عادة إلى نتيجة مفادها أن الفلسفة الإفريقية تُعرَّف بأنها “فلسفة جماعوية” أو “فلسفة شعبية”.[2] هذا يعطي الانطباع بأن المجتمع بأكمله يمكنه كمجموعة أن يتفلسف، مما يُنكر صراحةً مبدأ أفلاطون القائل إن العوام لا يتفلسفون. لكن ربما لا يكون هذا الفكر الجماعوي فلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة، بل مجرد “فلسفة إثنية”، كما وصفها زميلي بولين هونتوندجي Paulin Hountondji .[3]
تنتمي إلى الفلسفة الإثنية معظم تلك الأعمال أو الكتب (وغالبيتها أعمال لأنثروبولوجيين أو لاهوتيين) التي تدعي وصف نظرة عالمية أو نسق فكري لمجتمع إفريقي معين أو لإفريقيا بأكملها. ولمّا كانت الأعمال ليست فلسفية بالمعنى الدقيق، فقد أشرت إلى تلك التي يُزعم صراحة أنها فلسفية باعتبارها مجرد فلسفة بالمعنى الفريد و”الضعيف” للمصطلح (Oruka 1972 and 1975).
يتمثل أحد أوجه القصور الكبيرة في الفلسفة الإثنية بكونها مستمدة لا من الجزء النقدي بل من الجزء غير النقدي في التقاليد الإفريقية. ففي الغالب، تتكون التقاليد أو الثقافة من جوانب نقدية وغير نقدية. تؤلف أفكار أو أعمال أفراد النخبة المفكرة من رجال ونساء (حكماء وفلاسفة وشعراء وأنبياء وعلماء، وما إلى ذلك) الجزء النقدي من تقليد أو ثقافة، في حين يتكون الجزء غير النقدي من المعتقدات والأنشطة من ذلك النوع الموجود في الأديان والمرويات الخيالية والحكايا الشعبية والأساطير والعادات والخرافات وما إلى ذلك. توجد الفلسفة الحقة دائما في الجوانب النقدية، وليس غير النقدية، لتقاليد شعب. وعادة ما تكون هذه الجوانب غير النقدية عاطفية وأسطورية وغير منطقية. وحتى أوروبا لديها تقاليدها غير النقدية، ومن المثير للاهتمام (على النقيض مما حدث في إفريقيا) أننا لا نتقصّى قطّ الفلسفة الأوروبية في الثقافة غير النقدية لأوروبا.
ومع ذلك، أثارت الفلسفة الإثنية انتقادات من الأوساط الفلسفية الصارمة وتسببت في سجالات بشأن مسألة “الفلسفة الإفريقية”. وبقدر ما تكون هذه الانتقادات والمناقشات مفيدة في إلهام تطور الفكر الفلسفي وتشكيله في إفريقيا، فإن الفلسفة الإثنية قد لا تخلو من دور مفيد في التاريخ الفلسفي الإفريقي.
الحكمة الفلسفية
يمكن الاحتجاج بأن الفلسفة الإفريقية، حتى في شكلها التقليدي البحت، لا تنحصر في الفكر والتوافق الشعبيين؛ وأن الأفارقة، حتى من دون تأثير خارجي، ليسوا خلوا من البحث النقدي المنطقي والجدلي، وأن التعليم ليس شرطا ضروريا للتأمل والشرح الفلسفيين. وبناءً على هذه الافتراضات، يمكن أن نبحث عن فلسفة ونجدها في إفريقيا التقليدية من دون الوقوع في غواية الفلسفة الإثنية.
يًرجَّح أن نجد لدى مختلف الشعوب الإفريقية مفكرين أصليين صارمين. هؤلاء هم رجال ونساء (الحكماء) لم يتلقّوا التعليم الحديث. لكنهم مع ذلك مفكرون مستقلون نقديون توجِّه أفكارهم وأحكامهم قوة العقل والبصيرة الفطرية وليس سلطة التوافق الجماعوي. وهم قادرون على تناول مشكل أو مفهوم وتقديم تحليل فلسفي دقيق له، وأن يوضحوا بشكل عقلاني أين يقبلون أو يرفضون الحكم الراسخ أو الجماعوي بشأن هذه المسألة. لقد وجدنا في كينيا العديد من هؤلاء الحكماء الذين يمتلكون هذا الإطار العقلي النقدي والجدلي.[4] بيد أننا نستنتج أنه لا بد من وجود العديد من هؤلاء الحكماء في جميع أنحاء إفريقيا. ومن شأن أفكارهم، إذا شُرحت ودوِّنت على نحوٍ صحيح أن تشكل جانبا مثيرا للاهتمام من الفكر والأدب الفلسفيين في إفريقيا حاليا.
لكن الحكمة الفلسفية تواجه اعتراضين مهمين:
1 . هذه الحكمة، حتى لو انطوت على بصيرة واستدلال من النوع الموجود في الفلسفة، ليست في حد ذاتها فلسفة بالمعنى الدقيق، و
2 . إن الرجوع إلى الحكمة هو نكوص إلى الفلسفة الإثنية.
يمكن الرد على هذه الاعتراضات. نحن لا نصنِّف الحكماء كلهم في باب المفكرين المستقلين الأحرار، لكن بعضهم يجمع بين الطابع التقليدي للحكمة وبين السمة الجدلية والنقدية للتفكير الفلسفي الحر. وإذن، تكون “الحكمة الفلسفية” هي الفكر النقدي والتأملي لدى هؤلاء الحكماء. وهي تختلف بشكل أساسي عن الفلسفة الإثنية من حيث أنها فردانية وجدلية. إنها أفكار أو تأملات لتنوعٍ من المفكرين الأفراد المعروفين أو المشهورين، وليست فلسفة شعبية، وعلى عكس هذه الأخيرة، تتصف بأنها صارمة وفلسفية بالمعنى الدقيق.
ومع أن معظم هذه الفلسفة لن تتخذ شكل حجج فلسفية تقليدية مفصَّلة أو مسهبة، إلا أن التعبير عن معظمها يأخذ بوضوح شكل القياس الإضماري. وهذا القياس حجة منطقية أو فلسفية مختصرة بالمعنى الدقيق للفلسفة. ويمكن بسهولة بسطه في سلاسل منطقية مكتملة.
يبدو مشروعا مثمرا لطلاب وأساتذة الفلسفة المعاصرين في إفريقيا أن يبحثوا في فكر الحكمة الفلسفية ويتعرّفوا جوانبها الفلسفية بالمعنى الحق.[5]
الفلسفة القومية الأيديولوجية
في عالمنا المعاصر، يُتصوَّر أحيانا أن الفلسفة الإفريقية، على غرار الثقافة الإفريقية، لا يمكن إحياؤها أو اعتمادها إلا على أساس مجتمع إفريقي حر ومستقل حقا. وبهذا المعنى تظل مسألة الطبيعة الدقيقة للفلسفة الإفريقية ووجودها غامضة ما لم نطلبها على أساس نظرية اجتماعية واضحة عن الاستقلال وإنشاء نظام اجتماعي إنساني أصيل. ولمّا كان الاستعمار قد بُني على أنقاض ما يُفترض أنه المبدأ الأخلاقي الرئيسي للإنسية الإفريقية التقليدية – أي الجماعوية – يُحاجّ بأن النظرية الاجتماعية المطلوبة تقتضي احتضان الجماعوية باعتبارها أحد مبادئها الأساسية (Nkrumah 1964). ففي الجماعوية تعتبر التزامات الفرد والمجتمع متبادلة ومتساوية: لن يزدهر أي فرد على حساب المجتمع ولن يتجاهل المجتمع ركود أي من أعضائه. يقول جوليوس نيريري Julius Nyerere إنه في إفريقيا التقليدية يكون الفرد غنيا أو فقيرا بمقدار ما يكون المجتمع غنيا أو فقيرا، والعكس صحيح (1968:9).
حتى الآن، صدرت معظم المساهمات في هذا الاتجاه من الأدبيات الفلسفية الإفريقية عن سياسيين أو رجال دولة. بعض الأعمال ليست، بالمعنى الدقيق ، فلسفية حقا. لكنها، مع ذلك، تختلف عن الفلسفة الإثنية في عدة جوانب مهمة. أولا، هي، خلافا للفلسفة الإثنية، لا تفترض أو تشير ضمنا إلى أن الفكر أو الفلسفة الأوروبيين يختلفان جذريا عن الفكر الإفريقي أو لا علاقة لهما به.[6] ثانيا، لا يعطي المؤلفون الانطباع بأن الفلسفة التي يعرضونها ليست فلسفتهم بل فلسفة المجتمع الإفريقي كله أو القارة كلها. ويُعتقد بوضوح أن هذه الفلسفة متجذرة في إفريقيا التقليدية أو الجماعوية، ولكن من الجلي أيضا أنها فعليا فلسفة المؤلف الفردي المعني. ثالثا، هذه الفلسفة عملية ولديها مشكلات بيّنة يتعيّن حلها، وتحديدا مشكلات التحرر الوطني والحرية الفردية، في حين تبدو الفلسفة الإثنية ميتافيزيقا بعيدة عن السياسة ومشرعة على كافة الموضوعات.
الفلسفة المتخصصة
يشكّل قوامَ هذا الاتجاه أعمال ومناقشات طلاب الفلسفة ومدرسيها المتعلمين تعليما تخصصيا في إفريقيا. ترفض معظم هذه الأعمال افتراضات الفلسفة الإثنية، وترى أن الفلسفة فرع معرفي أو نشاط لا يمكن أن يعتمد معناه على التركيبة الإثنية أو الإقليمية فحسب. تُؤخذ الفلسفة بمعناها الدقيق الذي يتضمن البحث النقدي والتأملي والمنطقي. ومع ذلك، يبقى اعتقاد بأنه لا بد من وجود اختلاف مهمّ (لكن ليس جذريا) بين الفلسفة الإفريقية، والفلسفة الأوروبية أو الغربية على سبيل المثال. ويُعتقد أن هذا الاختلاف ينجم عن التغايرات الثقافية. ومع ذلك، فمن المسلم به أن التغايرات الثقافية يمكن أن تسبب تباينا في الأولويات الفلسفية والمنهجية لكن ليس في طبيعة أو معنى الفلسفة بما هي فرع معرفي. ولذلك يُنظر في هذه الأدبيات التخصصية إلى الفلسفة الإفريقية ككل، وهي تشمل ما أنتجه أو يمكن أن ينتجه مفكرون أفارقة أو في السياق الفكري الإفريقي في أيٍّ من فروع الفكر الفلسفي بمعناه الدقيق. ومن ثمّ لا يوجد سبب يحول دون اعتبار عمل مفكر إفريقي، على سبيل المثال في نظرية المعرفة الحديثة أو الميتافيزيقا أو المنطق، جزءا من الفلسفة الإفريقية. فمثلا، في ثلاثينيات القرن الثامن عشر ألّف المفكِّر الغاني، الدكتور ويليام آمو William Amo ، في موضوعات الميتافيزيقا والمنطق ونظرية المعرفة في أثناء إلقاء محاضرات في الجامعات الألمانية.[7] سيكون من السخف اعتبار أن أعمال آمو هي مجرد جزء من الفلسفة الألمانية وأن لا شأن لها بالإسهام الإفريقي في الفلسفة. بدلا من ذلك، ينبغي النظر إلى أعماله على أنها جزء من التقليد الفكري الألماني الذي دربه وألهمه، وكذلك جزء من التاريخ الثقافي الإفريقي الذي كان وراء سفر آمو إلى ألمانيا ولا بد أنه أملى عليه تفاعلاته مع الألمان واختياره لموضوعات دراساته.
يوجَّه غالبا نقد للفلسفة المتخصصة مفاده أنها غربية أو أوروبية وليست إفريقية. ويُحاجّ بأن طالب الفلسفة أو مدرسها المعاصر في إفريقيا يدرس، لأسباب تاريخية، المنطق والفلسفة الغربيين ولا يتعلم أي شيء تقريبا عن الفلسفة الإفريقية. ويمضي هذا النقد للقول إن هذا الطالب أو المدرس يأتي ويتعامل مع الفلسفة الإفريقية من زاوية أوروبية بحتة؛ فهو يوظِّف “المنطق الأوروبي” والمبادئ الأوروبية لنقد أو وضع ما يحبِّذ أن يسميه “فلسفة إفريقية.”[8]
يُردّ على نطاق واسع على هذا النقد بنقدين مقابلين. يصدر النقد الأول عن أولئك الفلاسفة الذين يسعون إلى المحاجة وتقديم البراهين التاريخية على أن الفكر الفلسفي الغربي كما نعرفه حاليا قد نشأ في مصر القديمة، وإنّ الأفكار في مصر القديمة هي تراث الأفارقة السود.[9] هذا يعني أن الإنسان الأسود له نصيب في فلسفة أوروبا الحديثة.
ويصدر النقد الثاني عن أولئك الذين يحاجّون بأنّ المعرفة والمبادئ الفكرية ليست حكرا على أي عرق أو ثقافة. فمن القوانين التاريخية للتطور الفكري أن الإسهامات الفكرية لثقافة معينة تستوعبها الثقافات الأخرى وتُنميها. لقد استعار الإغريق أفكار مصر القديمة وحوّلوها. وفعلت شمال أوروبا وأمريكا الشيء نفسه بالنسبة لإسهامات الإغريق. ومن ثمّ نقول، وبكلّ جدية، إن التطور الحديث في الفلسفة والمنطق وغيرهما من مجالات التعليم ليست مِلكية حصرية لأوروبا أو لأي ثقافة أخرى حدثت فيها التطورات. إنها ملك أي طالب للفلسفة. وهذا يعني أنها ذات صلة بالتطور الفلسفي الإفريقي وموضوعاتٌ لدراساته وتعليمه. ولذلك، ليس من المقبول في هذا الرد القول إنه لا يمكن للمفكرين الأفارقة جعل استيعابهم الحالي واللاحق للإسهامات الفلسفية الأوروبية ذا صلة وله طابع محلي إلا إذا كانت أفكار مصر القديمة تراثا للشعب الإفريقي أو الأسود. ينبغي النظر إلى هذا الاستيعاب على أنه إفريقي ويحدث بموجب أخلاقيات التطور الفكري وقانونه التاريخي.[10]
المصدر:
المراجع
Abraham, W.E. 1962. The mind of Africa. Chicago: University of Chicago Press.
Bodunrin, P.O. 1981. “The question of African Philosophy”. Philosophy, Vol. 56:161–179.
Brenrjes, A.B. 1977. ‘Anton Wihelm Amo in Halle, Wittenberg and Jena’. Universitas, 6 (1).
Hountondji, P. 1972. ‘Le myths de la philosophie spontanee’. Cahiers philosophiques Africains, (1). English tr. “The myth of spontaneous philosophy”. Consequence, 1 (Jan.– June), 1974:11–37.
Hountondji, P. 1976. African philosophy: Myth and reality. Tr. H.Evans and J.Ree. London: Hutchinson.
Keita, L. 1979. ‘The African philosophical tradition’, in R.A.Wright (ed.), African philosophy: An introduction. 2nd edn., Washington: University Press of America, 1979:35–54.
Nkrumah, K. 1964. Consciencism: Philosophy and ideology for decolonization and development with particular reference to the African revolution. London: Heinemann.
Nyerere, J.K. 1968. Ujamaa: Essays in socialism. Oxford: Oxford University Press.
Oruka, H.O. 1972. ‘Mythology as African philosophy’, East African Journal, Oct. 1972.
Oruka, H.O. 1975. ‘Fundamental principles in the question of African philosophy’. Second Order, iv(1).
Oruka, H.O. 1979. ‘The African foundations of Greek philosophy’, in R.A.Wright (ed.), African philosophy: An introduction. 2nd edn., Washington: University Press of America, 1979.
Oruka, H.O. 1983. ‘Sagacity in African philosophy’. International Philosophical Quarterly, 23:383–393.
Oruka, H.O. (ed.) 1991. Sage philosophy: Indigenous thinkers and modern debate on African philosophy. Nairobi: African Centre for Technology Studies.
Senghor, L.S. 1964. Négritude et humanisme. Paris: Editions de Seuil.
Sumner, C. 1978. “The rise of philosophical thought in Africa”. Paper, Afro-Asian Philosophy Conference, Cairo, March 1978.
Tempels, P. 1945. Bantu philosophy. Tr. C.King. Paris: Presence Africaine.
Wiredu, K. 1979. ‘How not to compare African thought with Western thought’, in R.A. Wright (ed.), African philosophy: An introduction. Washington: University Press of America, 1979:133-147.
الحواشي
* قرئت نسخة مختلفة قليلا من هذه الورقة في حفل إحياء ذكرى مؤتمر الدكتور ويليام آمو، في أغيرا Agaera في الفترة من 24 إلى 29 يوليو 1978. هذه النسخة مخصصة للمؤتمر العالمي السادس عشر للفلسفة، قسم الفلسفة الإفريقية، دوسلدورف، سبتمبر 1978.
[1] ” إن التفكير الأوروبي تحليلي وخطابي من خلال الاستعمال؛ أما التفكير الأفريقي الزنجي فهو حدسي من خلال المشاركة ” (L.Senghor, 1964:74) .
[2] حذّر كواسي ويريدو Kwasi Wiredu (1979) بكفاءة من هذا الأمر.
[3] انظر على سبيل المثال Hountondji (1972 and 1976) .
[4] في عامي 1974 و1975، أجريت أنا والأستاذ ج. دوندرز J.Donders بحثا حول أفكار الحكماء الكينيين التقليديين،(cf. Oruka 1983 and 1991) .
[5] يبدو أن البروفيسور سومنر من قسم الفلسفة بجامعة أديس أبابا منخرط في هذا النوع من الأبحاث، كما يتضح في مقالته Sumner 1978 . ومن خلال شروحه في هذه المقالة، يظهر أن النتائج التي توصل إليها حتى الآن تتعلق بفكر شخصيات ميتة أو أسطورية. وهذا أمر طبيعي، ولكن المرء يرجو أن يمتد البحث ليشمل حتى الحكماء الأحياء.
[6] يعالج نكروما Nkrumah (1964) تطور الفكر الفلسفي في أوروبا في فصل كامل، مع قناعته، كما أعتقد، بأن مثل هذه الأفكار ليست حكرا على أوروبا، وأن نكروما وكتابه ليسا أقل أفريقية حين يقدمان مثل هذه المعالجة.
[7] ظهرت ترجمات أعماله في جامعة مارتن لوثر، هالي فيتنبرغ، هالي (سالي) عام 1968. لمزيد من المعلومات عنه انظر Brenrjes 1977 و Abraham 1962 .
[8] إن ما يشار إليه هنا للأسف باسم “منطق أوروبي” لا يعني في الواقع أكثر من أنه شكل من أشكال المنطق المعروف صاغه أو اكتشفه للمرة الأولى أحد الأوربيين. لكن هذه الحقيقة وحدها لا يمكن أن تجعل أي مبدأ من مبادئ التعلم احتكارا للشخص الذي صاغه أو الثقافة التي صاغته. لذا عندما نتحدث عن “المنطق الأرسطي”، على سبيل المثال، فإننا لا نعني أو لا ينبغي أن نعني أكثر من أن أرسطو حاز شرف صياغة أو كتابة هذا الشكل من المنطق لأول مرة. لكن لا يمكننا أن نعني حقا أن هذا الشكل من المنطق يوناني فريد من نوعه ولا بد أن يكون غريبا عن الثقافات الأخرى أو أنه غير قابل للمعرفة في سياقها أو غير ذي صلة بها.
[9] انظر، على سبيل المثال، Keita (1979) و Oruka (1979).
[10] وتنعكس هذه النظرة في أعمال كل من كواسي ويريدو، وبولين هونتوندجي، وبيتر بودونرين Peter Bodunrin (e.g. 1981)، وأود أن أضيف أنها تنعكس أيضا في أعمالي.