تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة “ترجم”، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة
القوة قصة ترويها النساء. لقرون استعمر فيها الرجال رواية القصص. لقد انتهى هذا العصر.
السلطة، على الرغم من صعوبة التعامل معها، فهي مطلوبة بشدة. لا يوجد شخص أو جماعة أو طائفة أو حزب أو عصابة لا تريد السلطة، واثقة بأنها ستعرف كيفية استخدامها كما لم يعرفها أحد من قبل.
وأنا لست باستثناء. ومع ذلك، كنت دائمًا خائفة من تكليفي بالسلطة. سواء كان ذلك في المدرسة أو في العمل، كان الرجال هم الأغلبية في أي هيئة حاكمة، والنساء اعتمدن الطرق الذكورية. لم أشعر بالراحة أبدًا، لذلك بقيت على الهامش. كنت على يقين من أنني لا أمتلك القوة لإدامة النزاعات مع الرجال، وأنني سأخون نفسي من خلال تكييف آرائي مع آرائهم. منذ آلاف السنين، كان كل تعبير عن السلطة مشروطًا بمواقف الذكور تجاه العالم. بالنسبة للنساء، يبدو أنه لا يمكن استخدام القوة إلا بالطرق التي يستخدمها الرجال تقليديًا.
هناك شكل واحد من أشكال القوة أذهلني منذ أن كنت فتاة، على الرغم من أنه كان يستعمرها الرجال على نطاق واسع، ألا وهي قوة رواية القصص. إن رواية القصص هي حقًا نوع من القوة وليست قوة تافهة. تعطي القصص شكلاً للتجربة، أحيانًا عن طريق استيعاب الأشكال الأدبية التقليدية، وأحيانًا بقلبها رأسًا على عقب، وأحيانًا عن طريق إعادة تنظيمها. تجذب القصص القراء إلى شباكها، وتشركهم وتدمجهم في العمل، بالجسد والروح، حتى يتمكنوا من تحويل الخيط الأسود للكتابة إلى أشخاص وأفكار ومشاعر وأفعال ومدن وعوالم وإنسانية وحياة. بعبارة أخرى، يمنحنا سرد القصص القدرة على تنظيم فوضى الواقع ببصمتنا الخاصة، وهذا ليس ببعيد جدًا عن السلطة السياسية.
في البداية لم أكن أعرف أن رواية القصص تمثل نوعًا من القوة. فقد أدركت هذا ببطء، وشعرت في كثير من الأحيان بمسؤولية مشلولة. ولا زلت كذلك. فإن القوة ليست جيدة ولا سيئة – إنها تعتمد على ما ننوي فعله بها. كلما تقدمت في السن، زاد خوفي من استخدام قوة سرد القصص بشكل سيء. نواياي جيدة بشكل عام، لكن أحيانًا ينجح سرد القصة بالطريقة الصحيحة وأحيانًا يتم بطريقة خاطئة. العزاء الوحيد لدي هو أنه مهما كانت القصة سيئة التصميم والكتابة – وبالتالي مؤذية – فإن الضرر سيكون دائمًا أقل من الضرر الناجم عن سوء الإدارة السياسية والاقتصادية الرهيبة، مع ما تنطوي عليه من حروب ومقابر وعمليات إبادة جماعية والأحياء اليهودية ومعسكرات الاعتقال وأنظمة السخرة.
ماذا أقول إذًا؟ أفترض أنني اخترت الكتابة بدافع الخوف من التعامل مع أشكال أكثر واقعية وخطورة من السلطة. وربما أيضاً بسبب شعور قوي بالاغتراب عن تقنيات الهيمنة، بحيث بدت الكتابة أحياناً على أنها الطريقة الأكثر ملاءمة بالنسبة لي للرد على إساءة استخدام السلطة. ومع ذلك، اخترت الكتابة بشكل أساسي لأنني، كفتاة، اعتقدت بشكل خاطئ أن الأدب يرحب بالنساء بشكل خاص. ترك كتاب “الديكاميرون” لجيوفاني بوكاتشيو (1313-1375) انطباعًا رائعًا لديّ. في هذا العمل، الذي هو أصل تقاليد السرد الإيطالية والأوروبية الكبرى، يتناوب 10 شباب – سبع نساء وثلاثة رجال – في سرد القصص لمدة 10 أيام. في سن السادسة عشرة تقريبًا، وجدت أنه من المطمئن أن بوكاتشيو، في تصوره للرواة، جعل معظمهم من النساء. ههنا كان كاتب عظيم، أبو القصة الحديثة، يقدم سبع راويات عظيمات من الإناث. كان هناك شيء نأمل به. لكن، اكتشفت لاحقًا أنه على الرغم من أن بوكاتشيو كان كريمًا تجاه النساء في روايات “الديكاميرون”، إلا أن الحقيقة في الواقع كانت مختلفة تمامًا – ولا تزال كذلك. لقد دُفِعنا نحن النساء إلى الهامش، نحو الخنوع، حتى عندما يتعلق الأمر بأعمالنا الأدبية. إنها حقيقة: تحافظ المكتبات ودور المحفوظات على كل نوع من أفكار وأعمال عدد غير قابل للمقارنة من الرجال البارزين. في مقابل هذا، سيكون بناء سلسلة من الجنيالوجيا الخاصة بنا، وهي الجنيالوجيا الأنثوية، مهمة دقيقة وشاقة.
لو أن الأمور سارت بشكل مختلف، فهل كنا سنعمل بشكل أفضل من الرجال؟ هل نحن في النهاية أفضل منهم؟ عندما كنت امرأة شابة اعتقدت ذلك، لكنني اليوم لا أعرف.
أنا أفضل تجنب المثالية. لذا ليس من الجيد لقضيتنا، من وجهة نظري، أن نتخيل أن جميع النساء شريفات ومحبوبات وذكيات للغاية ولا يعرفن الخوف ولا يلحقهن اللوم، وفوق كل شيء، لم يعدن متواطئات مع الرجال. إن تواطؤنا واسع الانتشار هو في الواقع مشكلة خطيرة. لا تزال السلطة في يد الرجل وبقوة، وإذا كنا في المجتمعات ذات التقاليد الديمقراطية الراسخة، يتم منحنا في كثير من الأحيان إمكانية الوصول إلى مناصب قيادية، إلا أن ذلك مشروط بأن نظهر أننا استوعبنا الأسلوب الذكوري في مواجهة المشكلات وحلها. نتيجة لذلك، ينتهي بنا الأمر في كثير من الأحيان إلى إثبات أننا مطيعات ومتطابقات مع توقعات الذكور. لنفترض أن امرأة تشق طريقها إلى هياكل السلطة باستخدام ذكاء سياسي غير تقليدي يخالف القواعد، سواء المكتوبة أو غير المكتوبة. الحقيقة هي أنها لا يمكن أن تنجح إلا إذا ظلت غير تقليديتها متسقة مع ثقافة القيادة الذكورية التقليدية. لماذا تفوز إذن؟ لمجرد متعة الفوز؟
لم أتأثر أبدًا بالصيغ الخطابية “أخيرًا، سيدة رئيسة”، أو “رئيسة وزراء”، أو “حائزة على جائزة نوبل”، أو أي منصب آخر على قمة هرمنا السياسي أو الثقافي الحالي. السؤال هو بالأحرى: ضمن أي ثقافة، وضمن أي نظام سلطة، ترتقي النساء إلى القمة؟
هناك ضغوطات تغييرية جارية. كل شيء تحول إلى شيئًا آخر، بشكل غير متوقع. والمطلوب مظهرًا جديدًا تمامًا. التحدي في الوقت الحالي والمستقبل المنظور هو إخراج أنفسنا مما صممه الرجال: كوكب على حافة الكارثة. ولكن كيف؟ ربما حان الوقت الآن للمراهنة على رؤية أنثوية للسلطة – رؤية تم إنشاؤها وفرضها بقوة إنجازاتنا في كل مجال. في الوقت الحالي، استثنائنا هو استثناء الأقليات. يستطيع الرجال منحنا بعض التقدير مع تكريس روح الدعابة، لأنه الموجود هو عدد قليل جدًا من النساء المستقلات حقًا، من اللواتي لا يمكن جعلهن خاضعات، ولا يمكن استبعادهن من خلال العبارة، “أنت جيدة بالفعل، وكأنك رجل”.
لكن الأمور تتغير بسرعة. إنجازات المرأة تتضاعف. ولا يتعين علينا دائمًا إثبات إذعاننا أو تواطؤنا للاستمتاع بالفتات الذي يوفره نظام السلطة الذكورية. يجب أن تكون القوة التي نطلبها قوية وفعالة بحيث يمكننا الاستغناء عن مصادقة الرجل تمامًا.
الراويات السبع في “الديكاميرون” لا يجب أن يحتجن مرة أخرى إلى الاعتماد على جيوفاني بوكاتشيو العظيم للتعبير عن أنفسهن. جنبًا إلى جنب مع عدد لا يحصى من القارئات الإناث (حتى بوكاتشيو في ذلك الوقت كانوا يعلم أن الرجال لديهم أشياء أخرى يفعلونها وأن قراءتهم قليلة)، فإنهن سيعرفن كيف يصفن العالم بطرق غير متوقعة. القصة الأنثوية، التي تُروى بمهارة متزايدة، وتنتشر بشكل متزايد وغير اعتذارية، هي ما يجب أن تسيطر الآن.
الكاتبة: إيلينا فيرانتي مؤلفة الروايات النابولية الأربع “صديقي الرائع” و “قصة اسم جديد” و “أولئك الذين يرحلون وأولئك الذي يبقون” و “قصة الطفل الضائع”. ترجمت آن قولدستين هذه المقالة من الإيطالية.
المترجم: كاتب ومترجم سعودي.
Elena Ferrante: A Power of Our Own
Elena Ferrante
الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”