تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة “ترجم”، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة
٤ سبتمبر ٢٠١٣
هذه المدونة الثالثة من خمس مدونات نُشرت هذا الأسبوع في قسم نساء في الفلسفة.
“كم عدد الفلاسفة المطلوبين لتغيير مصباح كهربائي؟”
“يعتمد ذلك على ما تعنيه بكلمة ’تغيير‘…”
تُثير هذه النُكتة فُكاهة لطيفة عن رسمة مشهورة لشخصية كاريكاتورية: حيث تمسك الشخصية بلحيتها الرمادية، مع هوسها بمعاني الكلمات، وانعدام الترابط العملي لديها وفلسفتها التي “تترك كل شيء كما هو”، كما قال فيتغنشتاين. هذا الرسم الكاريكاتوري مضلّل، لأن الفلسفة أيضًا تفتخر بقدرتها على طرح أسئلة صعبة وعلى تحدي الانحياز. فقد أُعدم سقراط لأنه أثار المتاعب بأسئلته؛ وبدأ ديكارت “تأملاته” بدعوى مثيرة “للهدم التام” لصرح طويل الأمد من الأكاذيب — من أجل اجتثاث “عادتنا في التمسك بالآراء القديمة” والنظر إلى العالم بنظرة جديدة وغير مُتحيَّزة.
تلك القوة الراديكالية ألهمت الكثير من النساء في الفلسفة، والكثير من الأعمال السياسية. إذ كتبت الفيلسوفة الإنجليزية ماري أستيل باستخفاف في عام ١٧٠٠ م أن عمر الرأي لا يعبّر عن حقيقته، وأن “العقل المنطقي” لم يُخلق من أجل العبودية، وأن التزام المرأة تجاه الرجل “ليس سوى عمل محض صدفة “—” تمامًا كما قد يكون عمل أي أحد وواجبه بأن يربي الخنازير”. توصلت أستيل من فكرة ديكارت التي تقول بأننا كائنات مفكِّرة أساسًا إلى استنتناج جرئ للغاية مقارنةَ بأقرانها من الكليات النسائية؛ إن رعاية الزوج مثل رعاية الخنازير: أي واجب عَرَضي، ليس ما خُلقت المرأة من أجله.
مثل أستيل، وجدت الكثير من النساء في الفلسفة مصدرًا للتحدي والتحرّر الممتعيْن، مصدرًا خلاّبًا بشروطه الخاصة، له نتائج إيجابية على الحياة والعالم الاجتماعي. بالنظر إلى طموح الفلسفة، يمكن أن نتوقع بسذاجة مهنة خالية بشكلٍ خاص من التحيّز والترحيب بمن يستهدفهم الانحياز. يصعب إلى حدٍ ما أن يوفِّق هذا الأمل مع ندرة النساء به.
هناك الكثير من التفسيرات الممكنة. فملاحظة التحيّز أكثر صعوبة مما كان يتوقع ديكارت، لكونه لاواعٍ، وشبه كونيّ، ومنكشف في مختبر المختص النفسي على نحوٍ أيسر من انكشافه من خلال “نور العقل الطبيعي”.
هناك جهد التوفيق بين الحياة المهنية والعائلية (ولكن لماذا الفلسفة، أكثر من المجالات الأخرى؟). ثمة تقارير مريعة عن التحرش الجنسي في مقال “ماذا يعني أن تكوني امرأة في الفلسفة” (هل هذا المجال أسوأ من مجالات أخرى؟ — مَن يعلم، لكن يجب أن يكون الحال أفضل!). لجأ البعض إلى المعايير الجنسانية من أجل الحصول على تفسير، مفترضين أنه إذا كان “الرجال من المريخ”، فإنهم ينجحون بشكل أفضل في ثقافة المناظرات العسكرية (ولكن لماذا الفلسفة، أكثر من الاقتصاد؟). استدعى البعض بشكلٍ أكثر منطقية “عاصفة مثالية” من عوامل متنوعة (راجع مقالة لويس أنتوني، “أصوات مختلفة أو عاصفة مثالية: لماذا توجد قلة قليلة من النساء في الفلسفة؟”).
يقع اللوم جزئيًا على كاريكاتير الفلسفة هذا: “الرجل العاقل” المُصوَّر على أنه دمبلدور* الجاد والجليل. (لمراجعة بعض التصويبات اللطيفة، انظر موقع “يبدو فلسفيًا” Looks Philosophical). عند قولبة مجالٍ ما قولبة جماعية، غالبًا ما يشعر مَن هم خارج هذا المجال بترحيبٍ أقل وكثيرًا ما يقدمون أداءً أقل جودة عندما يُثير شيءٌ ما الوعي الجماعي. إذ يمكن لتهديد الصورة النمطية أن يدفع أي شخص، من الرياضيين البيض إلى الطلاب السود، إلى التقصير في الأداء وإن كان مستعدًا بشكلٍ جيد. قد تكون الفلسفة ذاتها مصدرًا للتأثير الأولي، مع اصطفاف الذكور في الغالب لقوائم قراءتها ومؤتمراتها ومعلميها (راجع أعمال جينيفر ساول فيما يتعلق بالتحيزات النفسية المؤثرة على الفلسفة).
تُقدَّم الفلسفة غالبًا من خلال تاريخها؛ بدءًا من سقراط الذي نفى النساء الناحبات كمقدمة للعمل الفعلي للتفلسف. وتوالت أشكال العقوبات، إلى حد أنه قد يكون من المغري رؤية تسلسل ذكوري بالكامل غير منقطع، كما لا زالت تشهد بذلك قوائم المقررات الدراسية (بما في ذلك القوائم الخاصة بي). هذا الجزء أيضًا مضلل. فقد قدّمت الأميرة إليزابيث أميرة بوهيميا في مراسلاتها البارزة مع ديكارت، الاعتراض الأكثر ديمومة على ثنائيته: كيف يمكن أن يتفاعل العقل غير المادي والجسد المادي؟ وهي غير موجودة على نحوٍ محيّر في النُسَخ القياسية التي تشتمل على منتقديه المعاصرين. وطرحت ماريا فون هربرت سؤالاً عميقًا على كانط: هل يتوافق الكمال الأخلاقي مع اللامبالاة المطلقة؟ وهي أيضًا غير موجودة بشكلٍ محيّر في أحدث سيرة ذاتية لكانط، بينما تصمد رسائلها في مكانٍ آخر لقيمة الثرثرة فيها (الجنس! الانتحار!). مع حذف مثل هذه الأطروحات، فإننا نخذل فلاسفة الماضي والحاضر والمستقبل، ونُغذي الصورة النمطية، والتحيزات التي كرهها ديكارت.
نكتة أخرى إذن “كم عدد النسويات اللاتي نحتاجهنّ لتغيير مصباح كهربائي؟”
“ليس المصباح الكهربائي هو ما يحتاج إلى التغيير”.
الكاتب: راي لانقتون أستاذة الفلسفة في جامعة كامبريدج وزميلة في جامعة نيونهام. درّست الفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من عام ٢٠٠٤ إلى عام ٢٠١٢. آخر كتاب لها “الأنوية الجنسية: مقالات فلسفية عن المواد الإباحية والتشيئ” نشرته مطبعة جامعة أكسفورد عام ٢٠٠٩.
المترجمة: باحثة دكتوراه في الأدب.
*شخصية خيالية من سلسة روايات هاري بوتر للكاتبة ج. ك. رولنغ.
The Disappearing Women
Rae Langton
“الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”