تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة “ترجم”، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة
٣ سبتمبر ٢٠١٣
يتجدد الجدل الطويل حول العقبات التي تواجهها النساء في الفلسفة الأكاديمية منذ استقالة الفيلسوف المعروف كولين ماكغين من منصبه الدائم في جامعة ميامي عقب ادعاءات إحدى طالبات الدراسات العليا بالتحرش الجنسي ضده. سأل منتدى “ذا ستون” مؤخرًا العديد من الفلاسفة عن آرائهم حول مكانة المرأة في عالم الفلسفة، داخل الأوساط الأكاديمية وخارجها. وستُنشَر خمسة من هذه الآراء في أيام متتالية هذا الأسبوع. وهذا أولها. [1]
مر كثيرٌ منا بتجربة الجلوس على متن طائرةٍ ما وطرح الشخص الجالس في المقعد المجاور له سؤال عليه: ما هي وظيفتك؟
إنها لحظة من عدم اليقين: ماذا أقول؟ هناك مجازفة إن أجبت، “أنا فيلسوفة”، لأنها قد تجعل مَن يجلس بجانبك يشرح “فلسفته” بإسهاب، أو يروي مدى فظاعة تجربته عندما درس مادة الفلسفة 101. (“قرأنا بعض المقالات المجنونة عمن اختُطفَ ورُبط بعازف كمان مشهور لإبقائه على قيد الحياة!”). تلقى صديق لي، ذات مرة، ردة فعل حماسية، “أوه، أنت فيلسوف؟ قل لي بعض أقوالك!”. عندما جربتُ، رغم ذلك، الرد بالقول: “أنا فيلسوفة”، أثار ذلك الضحك؛ وعندما استفسرت، ذات مرة، عن سبب الضحك كانت الإجابة: “أتصور الفلاسفة على أنهم رجال كبار في السن مُلتحين، وأنتِ بالتأكيد لستِ كذلك! فأنتِ صغيرة للغاية وجذابة على أن تكوني فيلسوفة”. أنا متأكدة من أنه قصد من ذلك المجاملة، لكنني توقفت عن إعطاء الإجابة “أنا فيلسوفة”.
صحيحٌ أن معظم الفلاسفة في هذه الأيام ليسوا من كبار السن المُلتحين، إلا إن معظم الفلاسفة المحترفين من الرجال، وفي الواقع من الرجال البيض. إن نسبة النساء اللائي يحصلن على درجة الدكتوراه في الفلسفة أقل مما هي عليه في معظم العلوم المادية، مما يثير دهشة الجميع تقريبًا. إذ كانت نسبة النساء الحاصلات على درجة الدكتوراه في الفلسفة، في الآونة الأخيرة في عام 2010، أقل منها في الرياضيات والكيمياء والاقتصاد. نلاحظ، رغم ذلك، أن الفلسفة من بين هذه المجالات، هي أكثر مجال حقق تقدمًا في هذه الحسبة، في السنوات الخمس الماضية.
تحديد نسبة النساء الفلاسفة في سلّم أعضاء هيئة التدريس أمر أكثر صعوبة. صحيحٌ أن اللجنة المعنية بوضع المرأة التابعة للجمعية الفلسفية الأمريكية قد ضغطت على الجمعية لجمع البيانات الديمغرافية، إلا أنها فشلت في إجراء ذلك. فقد اعتمدنا في الغالب على جهود الأفراد لإحصاء الأعداد. وتشير أفضل البيانات التي لدينا إلى أنه في عام 2011، تضمنت هيئة التدريس الثابتة/ في مسار الترقي في برامج الدراسات العُليا الـ 51 المُصنَّفة من خلال “تقرير ليتر” 21.9 في المئة من النساء – وتقرير ليتر هو تصنيف الحالات الأكثر استخدامًا على نطاقٍ واسع لأقسام الفلسفة الناطقة بالإنجليزية.
قد يكون هذا الأمر مضللاً للغاية، رغم ذلك، تذكر تقارير موجز إحصاءات التعليم أنه في عام 2003 (أحدث البيانات التي جُمِعَت للفلسفة)، بلغت النسبة المئوية للنساء في المناصب التعليمية لما بعد المرحلة الثانوية بدوام كامل 16.6 في المئة فقط من إجمالي 13000 فيلسوف؛ وهي السنة التي ذهبت فيها نسبة 27.1 في المئة من شهادات الدكتوراة إلى النساء. سنعرف قريبًا على أي حال المزيد حول ذلك، لأن الجمعية الفلسفية الأمريكية قد بدأت لحسن الحظ في جمع البيانات الديمغرافية.
أعداد الفلاسفة من غير البيض، ولا سيما النساء ذوات البشرة الملونة، أكثر ترويعًا. فإحصاء عام 2003 المُقتبَس أعلاه والذي ينطوي على نسبة 16.6 في المئة من معلمات الفلسفة اللاتي تعملن بدوام كامل لا يشتمل على أيٍ من النساء ذوات البشرة الملونة. لم تكن هناك، على ما يبدو، بيانات كافية تذكر أي مجموعة عرقية من النساء بخلاف النساء البيض. أفادت لجنة الجمعية الفلسفية الأمريكية المعنية بوضع الفلاسفة السود وجمعية الفلاسفة السود الشباب أن هناك حاليًا في الولايات المتحدة 156 أسودًا يعملون في حقل الفلسفة بما يتضمن طلبة الدكتوراة والحاصلين على درجة الدكتوراة في الفلسفة في المناصب الأكاديمية؛ بما يشمل إجمالي 55 امرأة سوداء، 31 منهن تشغلن مناصب ثابتة أو في مسار الترقي. ويعد تمثيل الباحثين الملوّنين أسوأ بشكلٍ معقول من أي مجال آخر في الأكاديمية، بما في ذلك الفيزياء بل أيضًا والهندسة، وذلك على افتراض أنه لا يزال هناك 13000 مدرس فلسفة بدوام كامل في الولايات المتحدة، إنه أمر لا يُغتفَر.
لن نحتاج، بالنظر في هذه الأرقام، إلى التحرش الجنسي أو المضايقات العنصرية لمنع النساء والأقليات من النجاح، وذلك لأن الإحساس بالعزلة والوحدة والتحيز الضمني والتهديد المعهود والعدوان المصغر والتمييز الصريح، جميعها سيفي بالغرض. حيث تصبح المضايقة والتنمر أمرًا سهلاً في عالم الأعداد الصغيرة.
يمثل “الفاعلون السيئون” مشكلة، لكن تكمن المشكلة الأعمق في السياق الذي يعطي القوة لهؤلاء “الفاعلين السيئين”. يجب أن يحدث التغيير في جبهات متعددة حتى نحقق تقدمًا. تفتقر الفلسفة إلى البنية التحتية التي تمتلكها التخصصات الأخرى لإحداث تغيير منهجي، ونحن لا نملك أيًا من التمويل أو النفوذ الذي تملكه مؤسسة العلوم الوطنية.
لدينا مجموعة صغيرة من الناشطات النسويات والمناهضات للعنصرية وبعض التغييرات الأخيرة المهمة في إدارة الجمعية الفلسفية الأمريكية مثل تعيين مديرة تنفيذية جديدة وهي إيمي فيرير، التي لا تتمتع بخلفية قوية في الإدارة غير الربحية فحسب، بل إن لديها أيضًا شهادة في الدراسات النسائية. قضية ماكجين نقطة تحول، ليس لأنها أطاحت بشخصٍ يتمتع بقوة وتأثير عظيميْن، لكن لأن قضيته ورد الفعل عليها يوضحان أن النشاط المستمر على مدار العشرين عامًا الماضية قد أصبح مؤسسيًا. نحن الفريق الفائز الآن، ولن نرضخ. لذا فالمسألة مسألة وقت فحسب.
[1] بالإضافة إلى هذه المقالة، نشرت الجمعية ترجمة مقالتيّ “النساء المتواريات” و “ماخطب الفلسفة؟” من ضمن خمس مقالات حول موضوع “النساء في الفلسفة”.
الكاتب: سالي هاسلنجر هي أستاذ الفلسفة والمدير السابق لقسم دراسات المرأة والدراسات الجنسانية في معهد ماساتشوستس للتقنية ورئيس القسم الشرقي الجمعية الفلسفية الأمريكية. حصلت على جائزة الفيلسوفة المتميزة لعام 2010 من جمعية المرأة في الفلسفة. ونشرت دار نشر جامعة أكسفورد في عام 2012 مجموعة من مقالاتها “مقاومة الواقع: البنيان الاجتماعي والنقد الاجتماعي”.
المترجم: كاتب ومترجم سعودي.
Women in Philosophy? Do the Math
Sally Haslanger
“الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”