يقال أن داخل كل عالم فيلسوف نائم. ولذا كان آينشتاين (1879 – 1955) مدركاً لجرأة عمله، في 4 شباط 1917 كتب إلى صديقه بول أهرنفست يقول أنه: “أقترف شيئاً ما بخصوص الجاذبية، ما يعرضه لخطر إرساله إلى مصح عقلي وسجنه فيه”.
وكانت صحيفة التايمز اللندنية تعنون في صفحتها الأولى:
(ثورة في العلم. نظرية جديدة للكون. أفكار نيوتن مقلوبة)، وخلال إقامة آينشتاين في باريس لتقديم محاضرة في عام 1922، كررت الصحف هذه اللازمة: (انتهى الزمان!)، (الزمان غير موجود)، (الزمان وهم)، (الزمان ليس سوى حلم).
هذا يدل على الاهتمام الملحوظ بالتأثير الممكن للعلم على المفاهيم الفلسفية والوجودية الأساسية. الصحف لم تكن وحدها تأخذ على محمل الجد النتائج المحتملة لنظرية آينشتاين للنسبية على الفكر البشري.
كان العديد من الفلاسفة حول العالم قد تساءلوا حول تأثير نظرية النسبية على مفهوم الزمان، وقلب الفيزياء الكلاسيكية وتأثيرها على المفاهيم الفلسفية.
تشكِّلُ نظرية (النسبيَّة) لأينشتاين تجاوزًا حاسمًا لفيزياء (نيوتن)، لكن اللافت للنَّظر أنها أحدثت تغييرًا هائلًا في غير مجالها الأصلي (الفيزياء الرياضية)، وكان ذلك التغيير عبارة عن توسيع لدائرة الوعي في رؤيته للحياة والأحياء والقيم والسلوكيات، بأثارها السلبية والإيجابية.
هذه الفكرة (النسبية) التي توصل أليها آينشتاين أدت إلى انقلاب كامل في العلم والفلسفة وفهم الطبيعة، وهي نقطة تحول في تاريخ العلم والفلسفة، من خلال معادلتها: الطاقة تساوي مربع كتلة الضوء E=mc²، أي أن الفرق بين الكتلة والطاقة فرق كمي وليس نوعي، هنا m تعني كتلة جسم ما، وتقرن هذه المعادلة هذه الكتلة بطاقة E تمثل طاقة موجودة في هذا الجسم، أشهر معادلة لفيزياء القرن العشرين، فقد غيرت الفكرة التي كانت لدينا عن المادة.
منذ آينشتاين، ومنذ المعادلة E=mc² فقدت الكتلة وبالتالي المادة ديمومتها، كما تم خلط المفاهيم التي تتعلق بالمصطلحات الأساسية في العلوم الزمان بالمكان (الزمكان)، لقد قامت نظرية النسبية بتحويل مفهوم الحركة لنيوتن، حيث نصت أن كل الحركة نسبية. ومفهوم الزمن تغير من كونه مطلق، إلى كونه نسبي وجعله بعد رابع يدمج مع الأبعاد الثلاثة المكانية فيما يعرف بالزمان. وجعلت الزمان والمكان شيئاً موحداً بعد أن كان يتم التعامل معهم كشيئين مختلفين. كما أنها عدلت الأسس النظرية لميكانيكا نيوتن التي كانت قائمة منذ 200 عام.
عند إزاحة حواجز الرياضيات، يجري التعبير عن مفاهيم الفيزياء الحديثة بلغة مألوفة بحيث يستطيع الجميع قراءتها وفهمها إلى حد ما. لا سيما أن دمج اكتشافات العلم تحتاج إلى وعي وجهد وإلمام من قبل المهتمين بالثقافة والأدب لاستثمارها في مجالات عديدة بالمسرح والرواية والسينما لإنتاج أعمال ذات مغزى وتأثير. ولا يزال معظم الناس غير ملمين بشكل كامل بالنظريات الحديثة كالنسبية والكم، والتي نقلت البشرية نقلة نوعية في كافة المجالات مقارنة بالفيزياء الكلاسيكية.
تتسم نظرية النسبية بأن نطاقها شديد الاتساع، فهي مبحث شاسع وعميق يرتكز على العديد من الاكتشافات المحورية في الفيزياء والقوانين التي تحكمها، من الكوارك داخل الذرة وحتى المجرات العظيمة. وعلى الفهم المتطور للمكان والزمان ومحاولة الإجابة عن أعمق الأسئلة الفلسفية التي طرحت على الاطلاق.
كما كان الفيزيائيين واعين بالسحابة الداكنة التي كانت تخيم على الأفق البعيد. بحيث أنه بات واضحاً أن الفيزياء الحديثة ترتكز على ركيزتين أساسيتين. أولاهما هي نظرية النسبية العامة لآينشتاين، والتي تقدم هيكلاً نظرياً لفهم الكون على مستوى أكبر البنى حجماً، أي النجوم والمجرات والعناقيد المجرية وما وراءها وصولاً إلى الامتداد الفسيح للكون ذاته. أما الركيزة الثانية فهي ميكانيكا الكم، التي تقدم هيكلاً نظرياً لفهم الكون على مستوى أصغر البنى حجماً، أي الجزيئات والذرات، وصولاً إلى الجسيمات دون الذرية كالإلكترونات والكواركات. “وخلال سنوات من البحث أثبت الفيزيائيون تجريبياً، وبمستويات عالية من الدقة، صحة جميع التنبؤات التي تطرحها كلا النظريتين”.
ما حصل في القرن العشرين، بعد ظهور نظريتي الكم والنسبية على مسرح الحياة، أن العلاقة ببين العلم والفلسفة أخذت منعطفا جديدا مختلفا، فقدمت الفيزياء مسائل حول الواقع والوعي والمعرفة ولّدت حراكا كبيرا عند الفلاسفة، وجعلت العقل الفلسفي العلمي يبحث في كثير من المسائل بصورة جديدة في الفكر البشري.
لقد وضعت الفيزياء الحديثة الفلسفة أمام هزة أبستمولوجيا كبرى. حتّمت الخروج بفلسفة ذات تصور مختلف قائم على الحوار بين التجربة والعقل كما يرى الفيلسوف باشلار.
المراجع: