يزيد السنيد
“اجتاح كوبر شعورٌ غريب وبدأ يفكر في النفس المراقِبة والنفس المُراقَبة، وبالإضافة إلى ذلك أن النفس بدأت تعي تلك الفكرة أن النفس تتفحص انعكاسها من مسافة بعيدة ونفسًا تتفحص الأخرى حتى تداخلت النفوس في قلبه وبدأ يشعر بالدوار وكأن في داخل صدره شيء أشبه بموجة تدور وتلف حوله لا بل شعر هو نفسه أنه كان يلف ويدور”
كيف تعيش؟
جنزابورو يوشينو
مقدمة:
إن الوعي الذي يعي الوعي ليس مُلكًا لأحد. من المعلوم لدى الجميع اليوم بأن موضوع الوعي يتم تناوله من خلال عدة جهات، فلسفية، دينية، علمية، روحانية الخ وقبل أن انطلق في بيان دلالة الوعي عندي وما يترتب عن هذه الدلالة، سأضع مفهومًا بسيطًا وليس تعريفًا: الوعي هو تلك الأنا التي تعي ذاتها. كلمة أنا مُربكة هنا، ولكن لندعها لأنها تُوفي بالغرض، وعي الأنا لذاتها يتمثل في قولنا: أنا يزيد عمري كذا وكذا أعيش في القرن كذا الخ وفي المعاناة نلمس عمق هذه الأنا من خلال سؤلٍ بسيط: من هي الأنا التي تعاني؟ إذن الوعي ببساطة هو تلك الذات التي تراقب ما يحدث في الداخل والخارج ففي المعاناة نسأل هل الجسد مصدر المعاناة؟ العقل؟ الروح؟ النفس؟ وهكذا حتى نصل إلى شيءٍ عجيب وهو الأنا الباحثة عن تلك الأنوات التي تعاني! إذن ما هو الوعي؟ وماذا أقصد بالوعي الكلي؟
الوعي الكلي:
الوعي بالمعنى الذي ذكرنا سابقًا بوصفه ما يُشاهد أو يراقب هو ليس ملكًا لأحد، هذا الوعي هو الطاقة الأولى لكل الحياة التي نراها، ولكن حتى أدلل على هذا الوعي وكيف يكون المبدأ الأول للحياة سأسلك طريقًا ملتوية بعض الشيء إلا أنني أجدها مقنعة بالنسبة لي.
نتفق كلنا تقريبًا على أننا نملك شيءٌ ما نطلق عليه “وعي” وهذا يعني أن في الإنسان روحًا أو جسدًا مادة للوعي تكمن هذه المادة في الدماغ أو المعدة أو الجسد أو النفس لا يهم إلا أن هناك مادة ما علة هذا الوعي حسنًا لنتفق على وجود هذه المادة بغض النظر عن ماهيتها وتجليات وجودها هي موجودة لأن الوعي موجود أليس كذلك؟ قبل أن أُكمل الحجاج هنا وهو ليس حجاجًا منطقيًا محضًا ثمة مقدمة نحتاج أن نعرضها أولًا حتى تكتمل الصورة جيدًا ونصل للنتيجة التي أُريد قولها بوضوح أكثر، وغاية اللغة المنطقية في نهاية المطاف توضيح الأفكار ليس إلا المنطق منهج أسلوبي فحسب.
الطبيعة المُغلقة:
الطبيعة، الحياة، وغير ذلك من المسميات هي شيءٌ مُكتمل ومغلق، والاكتمال لا يعني عدم التغيير، لكن ماذا نعني بمُغلق؟ اللغة قاصرة عن وصف ما أريد قوله بدقة لذلك ليتحملني القارئ. الكون المُغلق أو الطبيعة المغلقة تعني أنه لا شيء في الحياة أو الطبيعة يدخلها أو يخرج منها، كل شيء هو في دورة لامتناهية من إعادة التدوير إن جازت العبارة، ومثال ذلك بسيط فالجثة حين تموت تبدأ بالتحلل تدريجيًا، ولكل مرحلة من مراحل هذا التحلل فائدة ما للطبيعة كأن يصير الجسد تربة ويمدها بالمعادن، أو بترول، أو غير ذلك، فضلًا عن كون هذا الجسد يذهب غذاءً لكائناتٍ أخرى، فمن كائن يمشي إلى تربة ثم شجرة ثم نجمة في السماء أو كوكب، وهذا ليس ترتيبًا بل مجرد مثال، ألا يحق أن نسأل هنا : أين ذهبت مادة الوعي التي ذكرناها سلفًا؟ في بطن الدود؟ في التربة؟ في النجوم والكواكب؟ نعم بكل تأكيد إن كان هناك مادةٌ للوعي، والطبيعة مغلقة لا شيء يخرج منها، فهذا يعني أن الطبيعة ككل تملك وعيًا، وهو ما أسميه الوعي الكلي، هذا بكل بساطة ما أعنية بالوعي الكلي وهو المبدأ للحياة أي: الطاقة.
الخلاصة:
في الطبيعة وعيٌ كلي يحكمها، ليس لهذا الوعي قوانين كما تصور كثيرٌ من الفلاسفة، فهو لا علاقة له بالمنطق الأرسطي، ولا هو ديالكتيكي على طريقة هيغل، الوعي طاقة تجعل من البذرة شجرة ومن الشجرة أوراق ميتة الخ، الموت والحياة مقولات نسبية فأنت الذي تموت أنت ذاتك الذي تحيا في شجرة أو تُحيي شجرة، وقطعًا ليس للذات هُوية مطلقة لذلك ما يموت هو الأنا التي ننسب لها ذواتنا وهويتنا، على كلًا هذا الوعي الكلي له تجليات عدة منها نحن البشر والحيوانات والأشجار والكواكب وغيرها فكل هذا تجليات لهذا الوعي أو الطاقة، ليس لهذا الوعي الكلي قوانين هندسية كما تصور سبينوزا إذ كل قولٍ عنه هو قولي إسقاطي سيكولوجي من البشر، فكما أن البقرة تظن المبدأ الأول بقرة مثلها، وكما أن الإنسان يظن بأن المبدأ الأول إنسان مثله، كذلك المثلث يظن بأن المبدأ الأول مثلث وكل هذي مقولات ينتجها الدماغ البيولوجي للتكيف، ما نعرفه عن هذا المبدأ أمرين فحسب أي : الوعي والطاقة .
يترتب عن ذلك عدة أسئلة سأجعلها معلقة هنا: هل بالإمكان التواصل أو الاتحاد مع هذا الوعي الكلي؟ هل نحن أصلًا منفكين عنه؟ وكيف يحدث الانفصال عنه أصلًا؟ أليس من المفترض أن نكون دومًا في الأصل كما هو؟ وإن خرجنا عن الأصل فما علة هذا الخروج؟ نسيان أفلاطوني؟ إرادة شريرة كما تسمى خطيئة جذرية؟ إرادة جاحدة؟ ثم ماذا يعني الموت أصلًا إذا كانت الحياة والموت مقولاتٍ نسبية أصلًا؟ تموت تحيا؟ من الذي يموت ومن الذي يحيا؟ هل استمرار وجودنا في الكون يجعلنا حاملين لهُوياتنا الجوهرية بحيث نعرف دومًا بأنني فلان حتى لو كان بعضًا من أجزائي صارت شجرة؟ وأخرى صارت تربة؟ إذا طشر جسدي في الكون فأين هُويتي؟ ألا يعني هذا أن الموت عند التحقيق هو موت الأنا التي تقول “أنا فلان ولست فلانًا” لكن ماذا لو قتلنا هذه الهُوية ونحن على الأرض؟ الخلاصة أنني أُريد بدئًا وضع “الأسس” لميتافزيقا الذرة وهي الوعي الكلي والطاقة، كل شيء في الطبيعة له وعي مدفوعٌ بطاقة تجعله يتمرحل عبر فصوله الأربعة، ولكن هل يحق لنا أن نسأل : ما مصدر هذه الطاقة؟ أو ما مصدر هذا الوعي الكلي؟ أم نكتفي بالقول: الطاقة والوعي علة ذواتهم فحسب؟