٢٠ أبريل ٢٠٢٠
لقد حان الوقت للنظر في نوع جديد من الإعلان. إعلان المسؤولية.
الأربعاء هو يوم الأرض، وهي فكرة مفيدة لا يمكن أن تخطر إلا على بال حضارة بعيدة عن الأرض.
كنت أستمع مؤخرًا إلى حديث لعالِم المناخ المفضل لدي، كيفن أندرسون، وهو مثال على النزاهة الفكرية، فقد كرس حياته لوضعنا وجهًا لوجه مع حقائق مأزقنا العالمي. لقد وجد أن العقبة الرئيسية التي يواجهها في مهمته، ليست في إنكار تغير المناخ، بل في التوهم بأن للمشكلة حل تقني.
على سبيل المثال، وسط ابتهاج اتفاقية باريس، أشار أندرسون بوضوح تام للمجلات العلمية الرائدة ولأي شخص يريد أن يستمع، أن خطتنا تهدف إلى إزالة مليارات الأطنان من الكربون من الهواء – أمر لا أحد يعرف كيف سيتم. لقد استغرق الأمر سنوات للاعتراف بهذه الفرضية “المذهلة”، ولا تزال جميع نماذج المناخ تقريبًا تعتمد عليه.
أندرسون شخصية مُربكة: عالم مجبر على إخبارنا بحدود العلم، مهندس يشرح لماذا لم يعد بإمكاننا هندسة طريقنا للخروج من المشكلة. إنه يعيش وفقًا لذلك: على سبيل المثال، هو لم يسافر بالطائرة منذ عام 2004. كان أندرسون يروي كيف أنه خلال ما يقرب من 30 عامًا من التقارير والمؤتمرات والالتزامات الحكومية الدولية، ارتفعت انبعاثات الكربون، وعلّق على ذلك بقوله: “نحن بحاجة إلى الاعتراف بفشلنا، وأن نحني رؤوسنا في خجل، وأن نأخذ وقتًا ولو قصيرًا للتفكير قبل البدء من جديد”.
لا شيء يمكن أن يكون أكثر غرابة على هذا العصر من هذا الموقف. بالنسبة للعقل التقليدي، الذي يخشى التقاعس عن العمل ويسير فقط باتجاه الأمام، يبدو انحناء الرأس والنظرة إلى الخلف مضيعة للوقت بشكل غير صحي. لكن هل هذا صحيح؟
حول هذا السؤال، وجدت دليلاً مفيدًا عند الفيلسوف الألماني ماكس شيلر (1874-1928)، الذي على الرغم من كونه غامضًا اليوم، إلا أنه تمت دراسته والإشادة به من قبل بعض أعظم العقول في القرن الماضي. بالنسبة لشيلر، فإن نوع الندم الذي يستحثه أندرسون يتعلق بأكثر الأشياء سيرًا نحو التحول.
شيلر، الذي مر باليهودية والمسيحية، استخدم كلمة “توبة”، على الرغم من أنه أكد أنه لا يوجد شيء مسيحي على وجه التحديد في موضوعه. كتب شيلر في عمله “فيما هو أزليّ في الإنسان” عام 1921 أن التوبة قوة جبارة يمكنها كسر سلسلة الأحداث: “ليست بالمعنى الطوباوي، ولكن التوبة هي القوة الأكثر ثورية في العالم الأخلاقي”. إنها تواجه الماضي، ولكنها تجدد المستقبل. إن كربها شديد، بل حارق، لكنه يزيل الشعور بالذنب، و”ينشأ من العملية برمتها سلام ورضا متزامنين قد يصلان إلى ذروة النعيم”. إنها تفتح أفقنا و”توسع المستقبل الذي ضاق في يوما ما، إلى مستوى واسع ومشرق من الاحتمالات.” ويمكن أن يكون مفاجئًا.
بالنسبة لشيلر، والأهم بالنسبة لنا هنا والآن، لم يكن هذا مجرد شكل من أشكال الاستنارة الشخصية. فقد كتب يقول: “لقد رأينا في التاريخ، كيف يمكن أن تتحول التوبة إلى سيل عظيم، وكيف تندفع لجيل كامل من خلال شعوب وحضارات بأكملها”. سيشير المتشككون عن حق إلى أن قول هذا أسهل من القيام به، هذه الحالة لا يمكن إرادتها، ناهيك عن الأمر بها. لكن هل هي مبررة؟
نحن نقتل عشرات الآلاف من الأنواع كل عام. إن تدهور الأرض والبحر والجو والأرض ككل، يزداد بسرعة كبيرة للغاية، بحيث يتعذر على أي شخص مواكبة ذلك. وانحطاطنا إلى أدنى القيم في الثقافة، لن يساعد. لنفترض أن العالم لا قيمة له، باستثناء فائدته للبشر. لنفترض أن موت الملايين من الأشخاص الأكثر ضعفًا وبراءة، ليس مصدر لقلقنا. ستبقى الفظاعة، في الخطر والمعاناة التي لا يمكن تصورها، والتي ستسير باتجاه أطفالنا، وهي من إعدادنا.
كيف سنفسر هذا الاستهتار؟ كنا نحاول تحسين العالم! هل يكفي أن نقول إننا وقعنا تحت تأثير تعويذة الأفكار الخاطئة بشكل مأساوي؟ هذه الأفكار منتشرة الآن إلى حد أنها أصبحت عادة، مثل الاعتقاد. لقد شرعنا في صنع فردوس على الأرض، وحققنا العكس.
الأماكن التي بدت للمستكشفين الأوروبيين مثل جنة عدن ستصبح الآن غير صالحة للسكن. في كل مكان، أي محاولة للسيطرة على الطبيعة ستتركنا أكثر خضوعًا لها. افتخرنا بذكائنا وسعينا لإعادة تشكيل العالم بمعرفتنا. ثم تطلعنا إلى المستقبل من أجل العزاء، وإلى الأجيال القادمة من أجل التبرير. ولكن ما لم نقم بتغيير كبير، فيبدو من الآمن أن نفترض أننا سوف نُعرف كأعظم الحمقى الذين عاشوا على الإطلاق.
ومع ذلك، في عصر التكنوقراط، ما زلنا نفكر من حيث الخطط والمخططات التي يجب “تنفيذها”. المؤسسات الدولية مهووسة بالأهداف والمؤشرات أكثر من الحكومات. كل هذا على الرغم من الأدلة المناقضة: فقد وجد الإحصائي في الأمم المتحدة هوارد فريدمان، على سبيل المثال، أنه باستثناء تخفيف الديون، لم يكن لأي من الأهداف الإنمائية للألفية الخاصة بالمنظمة أي تأثير ملحوظ.
حان الوقت إذًا للنظر في نوع جديد من التصريحات. إعلان المسؤولية، والاعتراف بما قمنا به، والاعتراف بأننا كنا مخطئين: تعبير بسيط عن المسؤولية الجماعية عن الخطأ.
هناك مفارقة في النية. كلما كان هذا الإعلان مصممًا بشكل أقل لخدمة أي غرض، وكلما صُنع بمزيد من الإخلاص، تعاظم الهدف الذي سيخدمه، وكان أكثر قدرة على التغيير. في نهاية المطاف يمكن اعتماده في الأمم المتحدة. يمكن أن نستعير الكلمات الافتتاحية للميثاق، “نحن الشعوب” مع مخالفة ما ستقرره الأمم المتحدة. يجب أن يكون الإعلان بكلمات مختصرة، لا تُنسى، وبلغة عامية: شيء يمكن للجميع أن يقلّبوه في أذهانهم ويتبنوه إذا اختاروا ذلك. يجب أن ينشأ بشكل عفوي، وألا يتم الاستيلاء عليه من قبل أي منظمة. وليست هناك حاجة لهذه الكلمة المحبطة للروح “البيئة”. كلمة “الطبيعة” ستؤدي الغرض.
قد يبدو هذا الإعلان سلبيًا، لكن التحدي الأكبر هو تبديد الأوهام التي قادتنا إلى مثل هذا الخطر. النفي قد يكون هو الجزء الأكبر من الخلق، مما يفتح المجال للحكمة الوثيقة للغرب وكل ثقافة أخرى. سيكون هذا “النفي” تأكيدًا عظيمًا أيضًا، ومتضمنًا إلى حد كبير، للقيم العليا والميل الجديد للعالم. وسيكون من شأنه أن يوفر نقطة التجمع التي يفتقر إليها الكثيرون، لمواجهة الشعور بالعجز أمام القوى المجهولة. وسيكون من شأنه أن يُقايض بعض القوة مقابل الانحطاط، وأن يساعد في علاج الحمى التافهة للحياة العامة، وأن يشجع على الوقوف في الخلف، ذلك الأمر الذي تجده ثقافتنا صعباً للغاية، تاركًا العديد من الخلافات وراءه. وسيكون من شأنه أن يقوض أكثر من نوع من الغطرسة: على سبيل المثال، النظرة ما بعد الحداثية للطبيعة باعتبارها بنية اجتماعية. قد يكون أفضل أمل لنا في كسر الجمود الرهيب: ليس جمود الراحة، وإنما جمود الحركة المضطربة في نفس الاتجاه.
بالطبع، ستكون هناك اعتراضات. على سبيل المثال: أي شيء يشبه التوبة حتى ولو من بعيد يجب أن يكون من مخلفات المسيحية القمعية، وبالتالي يجب استبعاده. ستكون هذه حجة بالغة الأهمية، لأنها أولاً، ستمنعنا من الشعور بالأسف حقًا بشأن أي شيء. ثانيًا، سيؤدي ذلك إلى استبعاد العديد من المبادئ الأساسية الأخرى للمجتمع الغربي العلماني، والتي من الواضح أنها مستعارة، أو مُعاد توظيفها، من المسيحية. إن فكرة الحركة الخطية الشاملة نحو الخلاص هي فكرة يهودية مسيحية فريدة.
نحن الآن نسعى بالمعرفة إلى إعادة بناء عالم يُفترض أنه غير مضياف. نحن نمجد العمل و”عرق الجبين” و”أخطائنا السعيدة”، مثل الجشع، بالاعتقاد القديم الذي يصفها بأنها تمكننا من الخلاص. ما هذا؟ أهي محاولة لإعادة صنع جنة عدن عن طريق “عقيدة السقوط”؟
مثل هذا الإعلان من شأنه أن يثير اتهامات بجحود إنجازاتنا، وبالتخلص من الكل لعدم الرضى عن الجزء، وبالرغبة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. إنجازاتنا غير عادية، لكن الوضع الراهن يعرضها للخطر الآن. كلاهما فكرة خاطئة: الانفصال التام عن الماضي، والعودة إليه. لا يوجد صفحة بيضاء، ولا يمكننا معرفة الماضي بالكامل، ناهيك عن إعادة صياغته. سيقال إنه من غير الأخلاقي تغيير المسار عندما يقفز ملايين الأشخاص من جانب واحد من خط الفقر الخاص بالبنك الدولي إلى الجانب الآخر. لكن هل لاحظت قلة سماع هؤلاء الناس؟ دعهم يتحدثون عن أنفسهم.
أنا لا أخدع نفسي. أعلم أن الغالبية ستنظر إلى ما قلتُه على أنه نكران. بالنسبة للبعض، فإن الشعور بالتخلي عن معتقدات معينة – صعودنا المجيد، ونمونا الاقتصادي غير المحدود والكمال البشري – سيكون أكبر من قدرتهم على التحمل. لذا، حتى عندما تصبح هذه الاعتقادات أكثر عبثية، فقد نستمر في الكارثة.
لكنني لا أعتقد أن هذا بمثابة النكران. لأنه على الرغم من أن مشروعنا الحالي يدعي أنه يحرر، إلا أن فرضياته تميل إلى التقليل من قيمتنا ومن قيمة العالم. إنها فرضيات حزينة بعض الشيء. وكذلك فكرة أن أي حقبة هي مرحلة محتّمة. لا يوجد مرحلة هكذا. مجرد الهروب من هذه الفرضية سيؤدي إلى الشعور مرة أخرى بالأفق المفتوح، وإلى حرية جديدة ومسؤولية جديدة وحياة أكثر أصالة.
الكاتب: كاتب وموظف سابق في الأمم المتحدة. يعمل حاليا على كتاب حول التنمية العالمية وأساطيرنا العلمانية.
المترجم: كاتب ومترجم سعودي.
This Earth Day, We Should Repent
Hugh Roberts
الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”