تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة “ترجم”، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة
لن تنتهي التزاماتنا تجاه بعضنا عندما تنتهي هذه الأزمة.
من التزاماتنا خلال جائحة الفيروس التاجي التزام بسيط، لكنه صعب، ألا وهو المُكْثُ في البيت. تعليمات البقاء في المنزل عندما يكون ذلك ممكنًا -وتجنب الاتصال الاجتماعي عندما لا يكون كذلك- قد يأتي كأمر رسمي، أو توصية مجتمعية، أو مكان العمل، أو كمناشدة حماسية من صديق أو أحد أفراد الأسرة المهتمين بصحتنا. ولكن في كل حالة، فإنَّ السبب وراء ذلك واحد تجنب الإصابة بالفيروس ونقله للآخرين.
لا ريب أنَّ هناك كثيرًا من الأشياء المفيدة الأخرى التي يمكننا القيام بها في هذا الوقت كتقديم اتصال افتراضي أو بعيد لمن هم بمفردهم، وتوفير الإمدادات للمستضعفين، ورعاية المطاعم والشركات المفتوحة بأي طريقة محدودة نستطيعها، لكني أريد بذلك أن أعنى بأمر المكث في البيت وتجنب الاتصال الاجتماعي الوثيق؛ لأنني أعتقد أنه يكشف عن شيء كثيرًا ما يكون محجوبًا في علاقاتنا الاجتماعية، وهو شخصيتهم الأخلاقية.
تمت مناقشة الطابع الأخلاقي للمكث في البيت في الأيام الأخيرة، ومن ذلك احتجاج كبير في العاصمة ويسكونسن يوم الجمعة لأولئك الذين يجادلون بأننا بحاجة إلى العودة إلى حياة واقتصاد أكثر طبيعية. لكنَّ هذه المجموعة أقلية. في استطلاع للرأي أجرته Yahoo News / YouGov الأسبوع الماضي، كان أكثر من 70 بالمائة من المستطلعين من كلا الحزبين السياسيين قلقين بشأن رفع القيود في وقت مبكر جدًّا بدلًا من رفعها ببطء شديد. حيثما يمكن للمرء أن يقف على هذا السؤال، فإنَّ المنطق الوبائي واضح:
“المكث في البيت والحفاظ على مسافة اجتماعية هو أضمن طريقة لمنع انتشار الفيروس”.
فإذا اتفقنا أننا يجب أن نتجنب الاتصال الجسدي مع زملائنا البشر في هذه اللحظة؛ لأنه سيكون من غير الأخلاقي المخاطرة بنقل الفيروس للآخرين، ثم يترتب على ذلك أننا ملتزمون بثلاث أفكار أخرى أيضًا:
يمكننا أن نطلق على المركب الذي تشكله هذه الأفكار “شبكة أخلاقية”. من الواضح أنني لا أعني أنَّ الويب شيء مادي، أو حتى افتراضي، كما هو الحال في الويب الرقمي. إنها لا تشبه حتى شبكة الإنترنت التي توجد بالطريقة نفسها التي توجد بها شبكة من الروابط الاجتماعية.
الشبكة الأخلاقية معيارية. إنها تقول ما يجب أن يوجد بدلًا مما هو موجود. إنه يشير إلى ما يجب علينا فعله بدلًا مما نفعله أو ما هو موجود بالفعل بيننا أو بيننا.
هذه الشبكة ليست مجموعة من الالتزامات الأخلاقية الثابتة. مهما كانت الالتزامات التي نحملها سوف تعتمد على السياق المحدد الذي نجد أنفسنا فيه. لست ملزمًا أخلاقيًّا بالمكث في البيت في ظل ظروف لا تنطوي على جائحة. ما يجب عليَّ فعله يعتمد على آثار أفعالي على الآخرين، وهي الأفعال التي تعتمد على الموقف المعين الذي تحدث فيه تلك الإجراءات.
لا يتطلب الأمر كثيرًا حتى يتفق الناس على أنهم في شبكة أخلاقية. أيُّ شخص يتفق على أنه لا ينبغي له المخاطرة بنقل الفيروس التاجي للآخرين قد ألزم نفسه ضمنيًّا بذلك.
هذا هو المكان الذي تبدأ فيه المنطقة الأوسع في الظهور أمامنا. لا تنتهي التزاماتنا الأخلاقية عند حدود هذا الوباء أو أي جائحة. ستستمر أعمالنا اليومية في إحداث جميع أنواع التأثيرات على الآخرين. بعضها ضار، وبعضها مفيد.
عندما نسهم في أزمة المناخ بإهدار الموارد، أو التلوث، أو إذا رفضنا دعم القضايا الجديرة بالمال أو بالوقت. عندما نستطيع تحمل ذلك، فإننا نرفض مكانتنا في هذه الشبكة الأخلاقية -مكانًا ندرك أننا نشغله بالمكث في البيت خلال الجائحة. من ناحية أخرى، عندما نستخدم بعض وقت فراغنا لجعل العالم أفضل من خلال التطوع للتدريس في مستشفى أو مدرسة أو سجن أو مساعدة أحد الجمعيات الخيرية في بناء منزل، فإننا نأخذ مكاننا في تلك الشبكة، سواء كنا على دراية به أم لا.
هذا المكان الذي نشغله ليس مكانًا للمعاملات؛ فنحن لا نحتلها؛ لأنَّ الآخرين اختاروا احتلالها. بل نمكث في البيت أثناء الوباء؛ لأننا مضطرون إلى عدم نقل الفيروس للآخرين، لا لأنَّ الآخرين اختاروا المكث في البيت. تتعلق هذه الشبكة الأخلاقية في المقام الأول بما ندين به بسبب تأثيرات ما نقوم به، لا لأنَّ الآخرين يفعلون ذلك أيضًا أو يفعلونه من أجلنا. لكنه يؤدي أيضًا إلى مجموعة من الأسئلة غير المريحة التي نحتاج إلى معالجتها بأفضل ما نستطيع.
عندما نشتري عمارات في مدينة تقوم بتحسين التطوير العقاري، فإننا كثيرًا ما نسرع في تهجير السكان القدامى الذين لن يكونوا قادرين على تحمل تكاليف السكن المتزايدة. عندما نشتري هاتفًا ذكيًّا، فإننا كثيرًا ما نجني أرباح شركة في الخارج يتحمل موظفوها ظروف عمل مروعة. قد نسهم كسُيِّاحٍ في المحو البطيء للثقافة المحلية. كثيرًا ما يصعب تجنب مثل هذه الأفعال في عالمنا.
لا توجد إجابات سهلة لما يجب أن نفعله أو ما لا يجب أن نفعله. لكن يجب أن ندرك على الأقل آثار أفعالنا، ونعترف أننا نشغل شبكة أخلاقية، ونتخذ أفضل القرارات التي يمكننا اتخاذها. يستطيع كثير منا -بعد كل شيء- إجراء تغييرات في حياتنا من شأنها تحسين حياة الآخرين الذين نشاركهم الكوكب (البشر وغير البشر) بطرق صغيرة، ولكنها مهمة، وذلك بانتقالنا من مرحلة التحول من أكياس التسوق البلاستيكية إلى القماش، إلى مرحلة المشاركة في قضايا مثل الإسكان العادل وبأسعار معقولة أو أزمة المناخ.
الآن بعد أن أصبح لدى المتميزين بيننا بعض الوقت للتفكير في مكانتنا في العالم، ربما يمكننا أن نلزم أنفسنا بواحد من هذه التغييرات أو أكثر، أي: أن نلزم أنفسنا بعلاقات أفضل مع أولئك الذين نشاركهم هذه الشبكة الأخلاقية الخاصة.
قليلون منا سيكونون قديسين أخلاقيين، وينبغي ألَّا نسعى لأن نكون كذلك. هناك العديد من الجوانب الأخرى في حياتنا التي يجب تطويرها بصرف النظر عن الجوانب الأخلاقية. ومع ذلك، يمكننا أن نحاول أن نكون لائقين أخلاقيًّا. إن التعرف إلى هذه الشبكة الأخلاقية التي نشارك فيها هو طريقة للبدء.
كشف فيروس كورونا -من بين أمور أخرى- كيف تنسج أفعالنا اليومية مع تصرفات الآخرين بطرق لها عواقبها علينا جميعًا. لقد كشفتُ عن شبكة أخلاقية كل واحد منا جزء منها. دعونا نأمل أن يبقى هذا الوحي معنا بعد الأشهر العديدة التي ستبقى فيها هذه الأزمة. ليست صحتنا فقط على المحك، بل إنسانيتنا.
الكاتب: كان تود ماي مستشاراً فلسفياً للمسلسل الذي عُرض على قناة NBC “المكان الخيّر” The Good Place وهو الآن يعمل مع كاتب البرنامج مايكل شور على كتابه “كيف تُصبح خيّراً: جواب حتميّ حول ما يجب تحديداً فعله، في كل موقف”.
المترجم: باحث متخصص في العلوم الإنسانية، مهتم بالفلسفة والتاريخ.
?What Is Making You Stay at Home Right Now
Todd May
“الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”