الجسد كلحم واللحم كأساس للوجود
في فينومينولوجيا الإدراك، يجادل ميرلوبونتي: “يجب أن يكون وجودي الشخصي استئناف لتقليد ما قبل الشخصي. هناك ، إذن ، موضوع آخر تحتي، له عالم موجود قبل أن أكون هنا، وهو من يحدد مكاني فيه. هذه الروح الأسيرة أو الطبيعية هي جسدي. ليس الجسد المؤقت الذي هو أداة لاختياراتي الشخصية والذي يرتبط بهذا العالم أو ذاك ، ولكنه أنظمة “الوظائف” المجهولة التي تجذب كل تركيز محدد إلى مشروع عام.”[i] ماذا يمكننا أن نعمل بمفهوم استئناف الإرث ما قبل الشخصي؟ نجد أنه بينما يعرّف مريلوبونتي جسده على أنه الذات الكامنة وراء هذا الإرث غير الشخصي، فإن جسده كحقيقة وجود وككائن مستمر ويستمر باتجاه وجوده وجسده الحي والمعيش بالرغم من ذاته، هو ما يشير إليه. ومع ذلك، يبدو أن حجته تشير إلى أن جسده وأنظمة الوظائف المجهولة التي تشكل ذلك الجسم تتكرر في جميع الأجساد: فهو عضو في مجموعة لها تواريخ بيولوجية وثقافية-اجتماعية متنوعة. لذا فإن جسده استئناف بقدر ما هو جسد واحد ضمن تاريخ مستمر لجسد واعي، أي تاريخ للوجود الإنساني ، متحقق قبل وبعد وأثناء وجود جسده المحدد. إن الجسد في العالم هو جسد من العالم وبسببه ، جسد ضمن أجساد أخرى مشابهة وأنظمة مجهولة تأتي لترى وتتعرف على بعضها البعض.
لا يخلو مفهوم “الإرث ما قبل الشخصي” من الغموض. يمكن استقراءها لعدد من المناسبات المختلفة، وقبل كل شيء، كما يصر مريلوبونتي، لأنه يجب أن يكون هناك استئناف لذلك الإرث. أجادل بأن هذا الإرث ليس مجرد حقيقة الجسد ووجوده في العالم، وليس مجرد أنظمة من “وظائف” مجهولة الهوية، بل إرث من حمل مجسّد، من اللحم الحامل كبيت أصلي، مؤطّر بشكل مثالي بالموافقة والقبول وبالترحيب والترقب. يمكن مخالفة مثالية هذا التأطير، كما سنرى لاحقًا، من خلال إدراك أن توفير ذلك المنزل الأصلي يبقى خيار غير مقبول للعديد من النساء. بعد هذا القول، تبقى الحال أن الإرث قبل الشخصي يعتمد دائما على جسد الحامل؛ الجسد الحامل هو وسيلة دخولنا لذلك الإرث.
على هذا النحو، فإن أي جسم فردي هو تكرار لأجسام أخرى متشابهة مترابطة في ما بينها. وفي نفس الوقت فهو مرتبط بشكل مباشر وغير مباشر بجسدي، كجسم بشري، كما سيقر ميرلوبونتي بذلك بالتأكيد. المجتمع والعلاقة الأخلاقية وعلم الأحياء وعلم الأنساب هي جوانب هذه الروابط. ومع ذلك، فإن التكرار من خلال الإرادة المساهمة للأب البيولوجي، وبعد الانغراس، في جسد المرأة، يشير إلى أن هناك “ذاتا تحت” وهذا الذي لم يعبّر عنه ميرلوبونتي. لا يقتصر الأمر على جسد المرأة الحامل. المرأة ذات، يحمل لحمها الحامل لحما. إنها جسد بحكم طبيعة الوجود الذي هي عليه. نرى أنه بالنسبة لميرلوبونتي ، فإن “اللحم” ليس جسدًا منتعشاً ولا عقلًا مجسدًا وليس عقلا أو روحًا. “اللحم” فئة ثالثة من الوجود لا يعكس فقط اتحاد ديكارت للعقل والجسد المتصّلة في التأمل السادس، ولكن أيضًا تأكيده اللاحق على الإحساس في التأمل السادس.[ii] “الجسد” حساس وواعي في ذات الوقت، كتلة متعددة الأبعاد من الوجود الحيّ الذي يضعنا في العالم ويضع العالم بداخلنا. من وجهة نظري، فإن اللحم المرأة، والمرأة اللحم هي شرط لاستئناف الإرث ما قبل الشخصي القائم ليس فقط على “الجسد” ووضعه في العالم ، ولكن أيضًا وتحديدا على وجود اللحم الأنثوي الحامل.
دعونا نتابع هذا التفكير أكثر. في “الانتظام – التقاطع البصري” ، يستخدم ميرلوبونتي مصطلح “اللحم” أو “الكائن الجسدي” لإبراز أهمية الجسم باعتباره “كتلة حسية” والكتلة باعتبارها “جسدٌ حساس” بما يتجاوز مجرد المادية. ويسلط ميرلوبونتي ثنائية الأبعاد للذات باعتبارها ذاتا وموضوعا في تجسّدها المعيشي.
إنه الجسد وحده، لأنه كائن ثنائي الأبعاد وهذا ما يمكن أن يقودنا إلى الأشياء نفسها والتي ليست في حد ذاتها كائنات مسطحة بل كائنات ذات عمق لا يمكن الوصول إليها من قبل ذات تستعرضها من الأعلى، ومنفتحة عليه وحده الذي، إذا كان ذلك ممكنًا، سيتعايش معهم في نفس العالم. عندما نتحدث عن لحم الكائن المرئي. . .فإننا نعني ذلك الكائن الجسدي ككائن عميق، من عدة طبقات أو عدة وجوه. كائن متخفّي و ومشهد لغياب معين هو نموذج أولي للوجود حيث يعتبر جسدنا، الحساس للغاية بديلاً رائعا. [iii]
هذان الجانبان من الجسد قابلان للإفساد بسهولة من قبل الأخلاق المعقدة للجسد المرمّزة في الجسد الحامل. الجسد الحامل الذي يحس ويعي، هو الجسد الحامل الذات التي بحكم ظهورها في العالم كإنسان حامل ، تصبح موضوعًا لنوع معين من التأمل. إن مضاعفة اللحم كذات وموضوع وكحس ووعي وكرائي ومرئي، يلمس ويُلمس، هو الحالة الطبيعية (وبالطبيعي “أعني” أولاً “) لجميع البشر. ومع ذلك، تأخذ تلك الحالة الطبيعية بعدًا جديدًا في الجسد الحامل، حيث تقع كما هي في عملية تكاثر ليس فقط للأنواع كجسم ولكن للأنواع كلحم جديد. إن سكن الجسد الحامل بالجسد الذي تم تحويله بالفعل بسبب أصوله له تأثير تحولي لنقل كيان المرأة من مكان محتمل إلى مكان حقيقي. لذلك يتم تعليق فرادتها كذات/ وموضوع مؤقتًا بطريقتين: أصبح لحمها المفرد الآن جسدين في مكان واحد؛ ولحمها المفرد هو الآن رمزياً جسد جميع البشر في تنوّعه وتعدديته رمزيا أي وجود كل اللحم.
نجد عند إيمانويل ليفيناس الاهتمام بهذه القضية كذلك، فهو يركّز على المرأة والأنوثة ومركزيتها بالنسبة للضيافة مما يعزز بشكل أساسي التفسيرات الأبوية الذكورية للأمومة، وبالتالي، حالتها التمكينية.[iv] الأسرة أي الجزء الداخلي من العلاقات الاجتماعية الثقافية، التي نراها في منزل الوالدين كانت المرأة في واقع الأمر في مركزها، ليفيناس يدرك ذلك.[v] يجادل ليفيناس بأن المنزل يتمتع بامتياز خاص لأنه شرط أو أساس كل نشاط بشري ، “وبهذا المعنى ، بدايته”. على هذا النحو ، فهو أساس لجميع أشكال المجتمع.[vi] ما يجعل المنزل ، في المقام الأول، ممكنًا هو الألفة والحميمية “اللتان يتم إنتاجهما على شكل لطف ينتشر على وجه الأشياء”. في هذا الوداعة، يجادل ليفيناس، تتكون الـ “أنا” ، ولكن فقط كاستجابة “من المودة [الصداقة amitié] لتلك الـ أنا. العلاقة الحميمة التي تفترضها الألفة هي علاقة حميمة مع شخص ما.” بالنسبة لليفيناس ، هذا الشخص هو المرأة ، وهو ، بالمثل، “شرط للتذكر ، وداخلية المنزل ، والبيت”. ومن ثمّ ، خلقت المرأة الشروط الافتتاحية للضيافة من خلال أن تصبح هي الحميمة الأساس للسكن، وهذه المركزية أساسية لوجود المرء في العالم. العلاقة الأولية هي مع الآخرية الأنثوية ، حضور سابق، و تستند عليه كل المفارقة. “المرأة هي شرط التذكر ، وداخلية المنزل ، والسكن”[vii]. المنزل هو المكان الأصلي للذات، البيئة التكوينية حيث تُفترض الآخرية الأنثوية مسبقًا من قبل المفارقة أي اللغة: تأتي اللغة بعد أن يختبر المرء المرأة والأنوثة. بهذا المعنى، فإن المرأة هي المجال اللغوي للوجود الحميم. إن المأوى، والسكن والألفة والحميمية والوداعة والداخلية والتذكر متشابكة مع تأسيس المرأة للرحم الذي يجعل تعقيد العلاقات المنبثقة ممكنا.
فكرة ليفيناس أن “العلاقة الحميمة التي تفترضها الألفة هي علاقة حميمة مع شخص ما” لها أصولها ، كما أزعم، في الموقف الأساسي الذي هو الحمل، وهي المرحلة التي تسبق العلاقة اللاحقة بين الأم والطفل والتي يبدو أنه يفكر فيها. الحمل هو حالة ومكان للعلاقة الفريدة وتحقق الهوية. ومن هنا فإن العلاقة بين اللحم الذي هو المضيف الحامل واللحم الذي هو الضيف الجنيني ، علاقة حميمة بين لحم ولحم، حميمية مختلفة وفريدة من نوعها. لحم ميرلوبونتي باعتباره “مبدأ متجسدًا يجلب نمطًا للوجود حيث يوجد جزء من الوجود”[viii] وثيق الصلة هنا. يتمثل الاختلاف والتفرد في العلاقة بين المضيف الحامل والضيف الجنيني في أسلوبها في الوجود حيث يتم التعبير، منذ البداية، عن جزء من الوجود. حتى وقت قريب ، كانت قطعتنا الصغيرة من الوجود تبدأ ، بشكل لا لبس فيه، كجسد داخل الجسد، كحالة وعملية الحياة الأصلية.[ix] ولكن دعنا ندرك واقعة أن اللحم هو لحم حامل بفضل حالة التحوّل لديه من خلال الحضور الحميمي لشخص آخر يشبهها ،لكن قبل كل شيء بفضل فرادة العلاقة الأولية التي نشأت بين الاثنين. هذان الاثنان اللذان لا يزالان واحد هما أصل الأمومة ولكن ليست الأمومة في حد ذاتها. كذلك فهي الأساس للضيافة المطلقة والتعبير الرمزي للإمكانية والتحفيز الأخلاقي. ولكنني لن أقول ذلك دون اشتراطات كما سنرى بعد قليل.
وكان ليفيناس قد حاجج بأن وجه الآخر (Visage d’Autrui) هو الأساس المطلق للأخلاق في حين ميّز جاك دريدا [x]بين الضيافة المشروطة وغير المشروطة. في الواقع ، يعتمد تحليل دريدا على أخلاقيات الوجه ، وتصور الأخلاق على أنها احترام غير مشروط للآخر بالإضافة إلى الزعم الموسوي بأن الهدية لا يمكن أن تكون مجانية، وأنها تتطلب دائمًا مقابل. يجادل دريدا بأن تاريخ الضيافة في الغرب هو تاريخ من المشروطية، أو الضيافة التي يتم تأطيرها دائمًا بالقوانين ، “تلك الحقوق والواجبات التي تكون دائمًا شرطيّة ومشروطة”.[xi] على النقيض من ذلك ، فإن كرم الضيافة المطلق ، كما يقول دريدا ، يُمنح دون قيد أو شرط كترحيب في البيت.
تتطلب الضيافة المطلقة أن أفتح منزلي وأن أعطي ليس فقط للأجنبي (الذي تتوفر عنه اسم العائلة و الوضع الاجتماعي لكونه أجنبي.. الخ) ، ولكن إلى ذلك المجهول بشكل مطلق، الآخر بلا اسم. كذلك تتطلب الضيافة المطلقة أن أعطي مكاني لهم، أي أن أتيح لهم القدوم وأتيح لهم الوصول وأن يحثلوا على مكانٍ في المكان الذي أعزمهم عليه دون أن أطلب منهم المعاملة بالمثل (الدخول في ميثاق) أو حتى أن أطلب أسمائهم. يأمر قانون الضيافة المطلقة بقطع العلاقة مع الضيافة التي تفرض كحقّ أو كقانون أو كعدالة حقوقية. الضيافة العادلة لا يتماشى مع الضيافة كحق ليس لأنها تدينها أو تعارضها ، بل يمكنها على العكس أن تضعها وتحافظ عليها في حركة تقدمية دائمة ؛ لكنها غير متجانسة بشكل غريب مع القانون القريب جدا منعا ، والذي لا يمكن فصله عنها في الحقيقة.[xii]
يلاحظ دريدا أن هناك تبادلية بين “نظامي قانون الضيافة”[xiii] بحيث لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر. في حين أن تبقى الضيافة المطلق مفارقة للقوانين والعدالة، إلا أنها في ذات الوقت تبقى في ذاتها قانونا كونيا باعتبارها أخلاق مشغولة بالآخر أو بالغريب. يستدعي عرض دريدا للمضيف، الذي تم ترميزه من قبل روبرت كلوسوفسكي Pierre Klossowski في عمله Roberte ce soir ، قوانين الضيافة (المكتوبة بخط اليد) التي وضعها عم الراوي فوق سرير الضيف “وتحت الزجاج”. كانت فوق السرير وكأنه إيحاء بمفارقة وتعالي قانون الضيافة. ومع ذلك ، فإن قوانين الضيافة ، “تلك الحقوق والواجبات التي تكون دائمًا شرطية ومشروطة” والتي يمكننا تتبعها من التقليد اليوناني الروماني إلى كانت وهيجل، الأسرة والدولة تتعارض مع أو تشكل معضلة تتناقض مع قانون الضيافة. هذا التناقض ليس محدودا بحال أو شرط “دون طلب اسم، أو تعويض، أو الوفاء حتى بأصغر شرط”.[xiv] يجادل دريدا بأن هذا القانون يبقى فوق القوانين وخارجها. ومع ذلك، فهو يعتمد في التحقق على نفس القوانين التي “تنكره ، أو تهدده بأي شكل من الأشكال ، وأحيانًا تفسد وتفسدها. ويجب أن تكون دائمًا قادرة على القيام بذلك”.[xv]
يرتبط ادعاء دريدا بأن الضيافة دائمًا مشروطة بإصراره المتزامن على عدم المشروطية كمثال للضيافة. تبطّن “المسؤولية” العلاقات التي تؤسس الضيافة: أحدهما مسؤول عن الآخر. لكن دريدا يقول المضيف دائما في حالة انتظار للضيف ، وأن هناك دخولًا
“بلا انتظار” ، “تعال إلى الداخل” ، “تعال معي” ليس فقط نحوي ، ولكن بداخلي: احتلني ، خذ المكان بداخلي ، مما يعني ، خذ مكاني أيضًا ، لا تكتفي بأن تلتقي بي أو “تدخل في بيتي”. كسر الحاجز يتحقق بالدخول وليس فقط الاقتراب أو القدوم. منطق غريب ، لكنه منير لنا ، هو منطق سيد نافذ الصبر ينتظر ضيفه كمحرر.[xvi]
في كتابه وداعاً، يتسائل دريدا “أليست الضيافة إرباك ومقاطعة للذات؟”[xvii]—هذا السؤال الذي ظهر وكأنه استرسال على توصيفه لحماسة المضيف في انتظار وصول الضيف. تشير “احتلني” خد مكاناً فيّ” إلى نتيجة مباشرة غير منطوقة للضيافة المطلقة:” أعطيك ذاتي” وكما يقترح دريدا،
يبدو الأمر كما لو أن الغريب أو الأجنبي يحمل المفاتيح. . . كما لو ، أن الغريب سينقذ السيد المضيف ويحرر طاقته؛ يبدو الأمر كما لو أن السيد بصفته سيدًا، سجينًا لمنصبه ومكانه، أسير لذاتيّته، (ذاتيته رهينة… الشخص الذي يدعو ، والمضيف الداعي، الذي يصبح رهينة – والذي دائمًا ما كان رهينة حيث يصبح الضيف (hôte) هو المضيف (hôte) للمضيف (hôte).[xviii]
من الواضح أن دريدا يقترح ما يمكن اعتباره مثالًا بعيد المنال: فإعطاء الذات بالطريقة التي يصفها يعني التخلي عن الذات، نكران للذات خارج نطاق رؤية كثير منّا للحياة وممارستهم لها. جوهر الفكرة الذي يكمن في اللحظة التحويلية التي ترى الضيف والمضيف وهما يتحوّلان هو الثقة الكاملة وموافقة المضيف. هناك جدل حول مناسبة الحمل لمثل هذا المخطط، ومع ذلك هناك شيء مقنع حول المثالية الوصفية التي قدمها دريدا والتي لا تبدو في غير محلها فيما يتعلق باللحم الحامل. على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يسأل، “هل يتحقق تحوّل الضيف والمضيف أثناء الحمل، وإذا كان الأمر كذلك، إلى أي درجة؟” هل هذا التحوّل شرط أخلاقي للحمل؟ وماذا عن احتمال الضيف السيئ، الضيف الذي لا يعبر عن الامتنان، (لأن هذا سيكون تبادلًا غير لائق من شأنه أن يمحو هبة الضيافة الحقيقية)، من هو غير جدير بالثقة، والذي لا يمكن قبوله في هذا الإطار المثالي؟
بقدر ما يسود سياق المسؤولية (دوستويفسكي: “كل الرجال مسؤولون عن بعضهم البعض وأنا أكثر من أي شخص آخر”) كما أعاده ليفيناس وأيده دريدا، فمن الصعب التوفيق بين مفهومي المسؤولية والمعاملة بالمثل فيما يتعلق بالحمل. قد نتساءل ما الذي يشكل الحدود بينك بصفتك آخراً Autrui و وبينك كـ “أنا”. بينما أنا مسؤول، أنت أيضًا، بصفتك “أنا” كذلك، مسؤول بنفس القدر. ومع ذلك، فإن إصرار ليفيناس على عدم تناسق العلاقة الأخلاقية في مسؤولية الفرد تجاه الآخر يتجاهل شبكة المسؤوليات التي لا تشير إلى ذات مثالية، ولكن نحو مثال مجمّع من التبادلية الأخلاقية والمتكافئة. هذا ما نجده في توضيح دريدا للعلاقة بين الضيف والمضيف واختلاطها وتحويلها.
ومع ذلك وكما رأينا فإن وصف دريدا للتداخل بين الضيف والمضيف لا يأخذ في الحسبان الجسد الحامل حيث يتم دمج لحم فريد للحمل. يفترض وصفه للعلاقة بين المضيف والضيف آخرية جذرية تُشاهد في الجسد الحامل يمكن مشاهدتها ولا يمكن مشاهدتها في نفس الوقت. هذه هي مفارقة الحمل. إن العلاقة الفريدة للجسد داخل الجسد في الفردانية الحية ولكنها في ذات الوقت غير متكافئة، تحتوي في ذات الوقت على آخرية جذرية وواحدية جذرية. جوهر هذا الادعاء هو فكرة أن لحم الحامل هو رمزياً وبامتياز محل للضيافة المطلقة التي يتم التعبير عنها في عناصر من المصطلحات المكانية لدريدا: “تعال إلى الداخل، تعال معي” ليس نحوي فقط ، ولكن داخلي: احتلني، خذ مكانا في داخلي، وهو ما يعني بالمثل، خذ مكاني أيضًا، لا تكتفي بالقدوم لمقابلتي أو “في منزلي” ، وفي مفهومه عن الآخر المطلق وغير المعروف. إن الثنائية في الجسد تحدّ من الذاتية وتجسّدها في ذات الوقت: فالمرأة كجسد حامل هي ذاتان، ولكنها ذات واحدة. إن عدم وضوح حدود اللحم مع اللحم، ومضاعفة اللحم كذات وموضوع في نفس الوقت وهو ما نجده في الجسد الحامل هو شرط تبديل دريدا للضيف مع المضيف والمضيف مع الضيف، ومع ذلك يبقى مستحيل التحقيق. المضيف واحد مع الضيف، ومع ذلك لا يمكن للمضيف والضيف أن يكونا واحدًا. من وجهة النظر هذه، فإن الجسد الحامل كضيافة أصلية يسبق ويصيغ الوظيفة أو العملية السياسية أو الاجتماعية التي نراها في أطروحة دريدا عن الضيافة المطلقة: اللحم الحامل هو النموذج والنموذج الأولي (والنموذج الأصلي) للضيافة: العلاقة (العلاقات) الأصلية المُعبّر عنها في الجسد الحامل هي الضيافة البدائية للوحدة البينذاتية والثنائية في نفس الوقت. إن لغة عدم وضوح الحدود والتداخل وتبديل مكان الضيف والمضيف، تُرى أولاً في الحمل: الضيافة باعتبارها وظيفة اجتماعية للعالم البشري هي ثانوية بالنسبة للعلاقات التي نجدها متجسدة في الجسد الحامل. ومع ذلك، فإن هذه المفاهيم تعمل على التمييز المهم بين إرادة الجسد والإرادة الذاتية، أي دقة الاستعارة البيولوجية التي قدمتها في بداية هذا المقال.
يُعبِّر الجسد الحامل عن مثالية استعارية للضيافة المطلقة، مُعبَّرًا عنها من حيث إرادة الحياة في الجسد. وبالنظر للطبيعة البدائية للحمل كضيافة، نحتاج إلى إعادة التفكير في أطروحة دريدا، خاصةً أنه يعبّر عن الضيافة من خلال الهديّة. من وجهة نظري، فإن اللحم الحامل لا يعطي هدية لا بالوجود ولا بالولادة لشبيهه semblé[xix]. تفترض الهدية مُعطيا ومُتلقيًا، تمامًا كما يفترض الضيف والمضيف بعضهما البعض، لكن الافتراضات المسبقة هنا ليست ذات صلة. لحم الأنثى هو مناسبة الضيافة المحتملة، والذي لا يتحقق إلا بالتلقيح. يقبل اللحم الحامل غايته القصوى فيما يتعلق بشبيهها ويمهد الطريق لوضع محتمل من علاقة ضيف ومضيف. لكن هذا ليس معطى. دائمًا ما يتم التعبير عن لحم الحامل كضيافة أصلية فمع صعود الذاتية التفاعلية الأوّلية، بغض النظر عن اعتبارات دريدا عن الضيف-المضيف. ومع ذلك، فإن ما يعقّد الأمور هي الأسئلة حول الحمل غير المرغوب والإجهاض، وهو ما سيشغلني في ما تبقى من هذه المقالة.
[i] Maurice Merleau-Ponty, Phenomenology of Perception, trans. Colin Smith (New York: Routledge, 1962), 254.
[ii] في التأمل السادس ، يجادل ديكارت أنه (روحه) وجسده يشكلان وحدة وأنه اتحاد يتكون من اختلاط روحه وجسده (§81). يجادل جون كوتينجهام بأن هذا الاتحاد هو نوع ثالث من الكائنات (كائن بشري) ويشير إلى هذه النظرية على أنها “ثلاثية ديكارت” ، حيث يكون الإحساس أو الإدراك الحسي أمرًا أساسيًا. Cottingham, “Cartesian Trialism،” Mind 94 ، no. 374 (1985): 218-230. هذا لا يعني أنه لا يمكن لأي كائن آخر أن يكون جسدًا، لكن تعاملاتي هنا هي على وجه التحديد مع الجسد البشري.
[iii] Merleau-Ponty, The Visible and the Invisible, 138.
[iv] See, for example, Luce Irigaray “The Fecundity of the Caress: A Reading of Levinas, Totality and Infinity, ‘Phenomenology of Eros,’” in An Ethics of Sexual Difference, trans. C. Burke and G.C. Gill (Ithaca, N.Y.: Cornell University Press, 1993).
[v] تكشف الإحصاءات أنه عبر الثقافات تقوم النساء بمعظم الأعمال المنزلية ومعظم رعاية الأطفال. ففي البلدان التي دمرتها الكوارث الطبيعية، ترغب النساء في إنجاب الأطفال والبدء في حياتهن وحياة أسرهن وبالتالي إعادة بناء منازلهن. انظر، على سبيل المثال، وثيقة المناقشة “من يفعل ماذا؟” (www .soliology.org / as4fm2.doc) ، والتي تشير إلى أن الدخل والتعليم والعمر يلعبان دورًا مهمًا في تقسيم العمل داخل المجال المنزلي. لا يترتب على ذلك على الفور أن المرأة هي الأساس في المنزل وفي تقديم الضيافة وصنعها. ولكن مع بعض التوسّع في التفاصيل لن يكون من الصعب إثبات القضية ولكن لا مجال لذلك في هذا المقال. انظر أيضًا تقارير اليونيسف الأخيرة حول محنة النساء في آسيا بعد آثار تسونامي في ماليزيا وآتشيه وجزر المالديف على سبيل المثال. من الواضح جدًا أن المنزل هو محور حياة هؤلاء النساء والأطفال ، والنساء هم الفاعلون المسؤولون.
[vi] Emmanuel Levinas, Totality and Infinity: An Essay on Exteriority, trans. Alphonso Lingis (Pittsburgh: Duquesne University Press, 1969), 152.
[vii] Ibid., 155.
[viii] Merleau-Ponty, The Visible and the Invisible, 139.
[ix] يمثل التلقيح الاصطناعي تغييرًا منذ حدوث الإخصاب في المختبر. ومع ذلك، لا يتم إنتاج البويضات والحيوانات المنوية صناعياً ولكن يتم جمعها من أجسام الوالدين البيولوجيين.
[x] See Adieu to Emmanuel Levinas and Of Hospitality in particular.
[xi] Jacques Derrida, Of Hospitality, trans. Rachel Bowlby (Stanford, Calif.: Stanford University Press, 2000), 77.
[xii] Ibid., 25.
[xiii] Ibid., 135.
[xiv] Ibid., 77. يعتبر طرح دريدا هنا تبادلًا مع وصف كانت للضيافة في مشروع “السلام الدائم” ، حيث يجادل كانت بأن “الضيافة تعني حق الغريب في عدم معاملته كعدو عندما يصل إلى أرض شخص آخر” (http: / /www.mtholyoke.edu/acad/intrel/kant/kant1.htm) وهو ما اعتبره كانت حقاً عالميًا أيضًا. المضيف (hôte) والضيف هم الفاعلون في علاقة الضيافة.
[xv] Ibid., 79.
[xvi] Ibid., 123.
[xvii] Jacques Derrida, Adieu to Emmanuel Levinas, trans. Pascale-Anne Brault and Michael Naas (Stanford, Calif.: Stanford University Press, 1999), 51.
[xviii] Derrida, Of Hospitality, 125.
[xix] على عكس Lisa Guenther أتجنب الحديث عن الولادة باعتبارها هدية: فرادة العلاقات المتضمنة في الجسد الحامل حيث يكون أحد الأطراف المضيف والضيف لا ينشأ في إطار تقديم الهدايا.