استمرت المدرسة الأيونية في محاولة تعيين أصل ومبدأ هذا العالم، فطالما كان الإنسان على الأرض فلن يكف عن طرح الأسئلة ولا يشذ عن هذا ما يسمونهم النخبة بالعوام، إذ أن هؤلاء يردون العالم إلى مبادئ يستريحون إليها، وليس بقدرة كل إنسان على مصارعة عوالم الفكر والمخيلة ورغم ذلك يملكون تفسيرات محددة لأصل العالم أو المبدأ والمعاد، وسوف أتحدث في هذه المقالة عن فيلسوف معضلة في تاريخ الفلسفة وسوف نتبين سبب ذلك من المقالة.
وضع إنكسمندرس مفهوما غامضا في سياقه وفي تاريخ الفلسفة بعامة لتفسير مبدأ العالم فقال بأن كل الأشياء تكون وتفسد من خلال ما سماه “الأبيرون” وقد اختلف الفلاسفة في تحديد المعنى الدقيق لهذا اللفظ apeiron وحرف (a) في اليوناينة يفيد النفي ومن ثم يكون معنى اللفظ الذي أختاره “اللاتعين” وينقل الأخواني في كتابه فجر الفلسفة اليونانية ثلاث ترجمات لهذا اللفظ infinite و unlimited و undetermined أي اللامحدود واللانهائي واللامتعين، والسبب الذي من أجله أخترت اللامتعين هو أن هذا المفهوم سيكون له أثره على فلسفة أرسطو وأعني مفهوم الهيولى والذي يعني المادة اللامتعينة، فأصل العالم إذن ليس داخلا في العناصر الأربعة كما هو لدى بقية فلاسفة ما قبل سقراط إنما هو اللاتعين ونقلت لنا شذرة من نصوصه حيث يقول:
“اللانهائي هو المادة الأولى للأشياء الكائنة، وأيضا فإن الأصل الذي تستمد منه الموجودات وجودها هو الذي تعود إليه عند فنائها طبقا للضرورة وذلك لأن بعضها يخضع لحكم العدل ويصلح بعضها الاخر لما قامت به من ظلم تبعا لنظام الزمان”
ثم يقول في شذرتين:
” هذا اللانهائي دائم أزلي”
اللانهائي خالد لا يفنى”
ويستفاد من هذا النص ثلاثة أمور:
هذا عن المبدأ الذي منه صدر العالم وكل الأشياء، ولكن واضح لنا أن العالم والطبيعة تتغير وتتبدل وعليه ننتقل للسؤال الثاني: ما علة وسبب الحركة؟ يرى أرسطو في السماع الطبيعي بأن كل الفلاسفة قبل سقراط قالوا بعلة التكاثف والتخلخل مفسرين بذلك الحركة في الطبيعة، وبعضهم قال بالعقل أو النوس وهكذا.
وينسب لإنكسمندريس أيضا رؤية تطورية للحياة أي نشوء الإنسان وبقية الضروب والأنواع وينقل الأهواني عن إيبولوتوس : نشأت الكائنات الحية من الرطوبة بعد أن تبخرت بالشمس وكان الإنسان كغيره من أنواع الحيوان فكان في البدء سمكا.
كما أنه حسب الأهواني في كتابه فجر الفلسفة اليونانية فإن إنكسمندريس أول من أخترع آلة لعلم الفلك تسمى جنومون وهي عصى تغرس في الأرض حتى يعرفون طول الظل ويعرفون بذلك الأيام والشهور.
وقد وضح لنا لما هو معضلة وذلك بمفهومه الذي طرحه لتفسير الأضداد أي الأبيرون، ويبقى أن نشير إلى طبيعة الأسئلة المستنبطة حتى الأن من هذه السلسلة.
ما أصل العالم أي ما المبدأ الذي يعود له كل شيء؟
ما علة الحركة في الطبيعة أي كيف تتحرك الأشياء وتسكن؟
كيف ينشأ الأحياء من كائنات كالإنسان والحيوان وغيره؟