ما يجب معرفته
موتك أمر محتوم. أتمنى ألا يشكل ذلك صدمة كبيرة . صحيحٌ أنٌ قصر الحياة البشرية أمر مزعج. ولكن لحسن الحظ ؛ وبالنسبة لمعظمنا ، فإن هذه الحقيقة المخيفة عادة ما تتواجد في مكان ما خارج هوامش وعينا: حيث أننا نعي” موتنا دون الخوف منه باستمرار. إلا أنه تمر لحظات معينة تهاجمنا فيها حقيقة موتنا المحتوم بشكل مفاجئ و مخيف و غير متوقع.
تدل الأخطار الوشيكة على هشاشة الحياة ، أو أن موت أحد الأحباء يذكرنا بأنه لا يوجد أحد مستثنى المصير النهائي للإنسان. حتى الحديث عن الموت ، كما نفعل الآن ، يمكن أن نعلق في أفكار اجترارية عن الموت ، ترافقها رعشة خائفة من النهاية.
ففي هذه اللحظات ، عندما يظهر هذا التشتيت المعلق من جديد ، فإنك تستوعب حقيقة الموت بطريقة جديدة ، بدل يكون مجرد أمر “معروف” كالعبارات المتكررة التي تصف العالم مثل – “السماء زرقاء. أو سأموت” – يشعر المرء بنهايته بشكل أعمق وعلى الفور. وفي هذه الحالة المزاجية ، يتسلل الرعب من الموت إلى وعيك ؛ و تُشعرك حتميته المهيبة و نهائيته بأنك صغير و عاجز.
وهذا هو الخوف من الموت على المستوى الوجودي الناجم عن الفكرة التي لا يمكن تصورها تقريبًا والتي تقول إنه لن يكون هناك سوى نسخة واحدة منك – وعاجلاً أم آجلاً سوف تتلاشى من الوجود ، مخلفاً وراءه مجرد ذكريات داخل مخلوقات أخرى فانية. إن الخوف من الموت الذي أتناوله لا يتعلق بالقلق الفعلي بشأن من سيدفع ديون بطاقتك الائتمانية بعد رحيلك: إنه يتعلق بالحقيقة المقلقة أن الشخص صاحب هذا الدين في المقام الأول هو ذرة عابرة في تاريخ الكون اللانهائي.
يشتد الخوف من الموت أيضًا عند التفكير في مدى ضرر الفناء علينا -. ليس هناك أمر أعظم من صدمة زوال في الحياة، كما يعلق الفيلسوف توماس ناجل ، الموت هو الحرمان العظيم. هناك دوماً مزيداً من الحياة ليعاش، ومن المؤلم أن يتم سلبها. وربما تكون أفضل طريقة للتغلب على هذا الخوف هي تأمل أكثر فكرة لا تُتمل عند غيابك المستقبلي : فذات يوم ، لن يتم تعيين مكان لك في العشاء العائلي بعد الآن نعم ..سيأتي اليوم الذي سيخلو مقعدك على مائدة العشاء اليوم الذي يلي وفاتك ، ستُنشر الجريدة كاليوم السابق وفي الصباح الذي يلي يوم جنازتك ، سيُعد أصدقائك قهوة الصباح. سوف تذهب إلى الأبد ، رغم ذلك ، وهذا بالتأكيد قيد مرعب.
لذا فإن الخوف من الموت أمر مروع فعلاً – وبطبيعة الحال – هو شيء يمكن تجاوزه . إن السعي للتغلب على الخوف من الموت ، كما أعتقد، قد حفز قدرًا كبيرًا من: خلال فترة وجود البشرية على الأرض ،و قد يبالغ أحدهم و يقول من باب التحايل أو التصالح ربما أن الموت هو السبب الجذري لعدد كبير من المنجزات الثقافية.إن الخوف من الموت هو الدافع الأقوى.
هذه الاستراتيجات قد تكون مفيدة بالطبع لكن الآن ،لنضع كل احتمالات الحياة بعد الموت جانبًا و الفكرة الأكثر رعباً: أنت على قيد الحياة ، لكنك لن تكون كذلك يومًا ما. هل هناك أي أسباب فلسفية جيدة لعدم الخوف من تلك الثغرة بين الوجود والعدم؟ في هذا المقال ، سأقترح عدة مبررات فلسفية لعدم الخوف من موتك ، وبهذا المعنى ، آمل أن يكون ما كتب هنا مفيداً هنا لتخفيف ثقل الحالة الوجودية المقلقة للغاية التي نحن فيها جميعًا حيث أننا محظوظين بما يكفي لأن نجد أنفسنا.
ما يجب القيام به
امتدت حياة الفيلسوف اليوناني القديم إبيقور الذي يسكن المدينة بين القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد. و في يومنا هذا تعتبر تعاليمه حزمة فلسفية ذات شعبية كأنها الهيدونية بشكل مخفف (أي مذهب اللذة ) تجمع بين : الحسية )الشهوانية)، و البهجة ، و لمحة رفاهية ، و كأس نبيذٍ لعوب . على الرغم من أن أبيقور نفسه لم يكن على الأرجح باحثاً عن المتعة البسيطة ضيقة الأفق التي توحي به هذه الكليشيهات ، إلا أنها تعطي لمحة عن نظرته.
وبالنسبة له فإن الهدف من حياة الإنسان هو تحقيق السعادة. وقد فسر أبيقور هذا على أنه غياب للألم وليس برنامجًا إيجابيًا للانغماس فيه ، على سبيل المثال ، الالتزام بجدول صارم للعربدة و ابتلاع الأفيون صباح كل ثلاثاء. لقد أدرك أنه مهما كانت الإثارة المؤقتة التي تسفر عنها مثل هذه المساعي في الوقت الحالي ، فإنك ستدفع ثمناً باهظا جراء هذا. لذا بدلاً من ذلك ، أوصى إبيقور (بشكل مخيب للآمال) بأن الاعتدال هو الذي سيخلصنا من الألم والمعاناة ، والتي بدورها ستجلب قدرًا جيداً من السعادة وبالتالي هذا يفضي إلى حياة أفضل.
تمثل محدوديتنا ، ويقيننا البسيط جوهر نظام فكر أبيقور، وفي سياق تخفيف الألم وتجميع السعادة بلطف . اعتقد أبيقور أن الخوف من الموت يحتاج إلى فهم. فارتأى أبيقور وأتباعه أن الخوف من الموت يعرقل الاستمتاع بالحياة ، ولذا لذا فإن فهم عدم وجود أصل ثابت لهذا الخوف يفضي إلى العيش الهانئ و المتعي.
وفقًا لهذا التقليد ، فإن أول شيء يجب فعله للتغلب على الخوف من الموت هو أن توضح لنفسك كيف سيكون الوضع و أنت ميت. تخيل نفسك ، لا حياً ـ بل ميتاً . (تذكر ، تركنا الحياة الآخرة جانبًا) ستدرك حينها سريعاً ، أن هناك تناقض مستعصٍ في مركز هذه المسألة التطبيقية. لا يمكنك أن تتخيل ما سيكون عليه الموت ، لأن الموت هو غياب للوجود. لا يوجد شيء يمكن تخيله – فعلياً لأن العدم بحد ذاته لا يمكن تخيله، فلا يوجد منظور ، ولا رؤية من العدم ، ولا شيء يمكن الاقتراب منه. إذن هذه هي التوصية الأولى: إدراك أن كينونة الموت Being deadليس تجربة. الموت بحد ذاته ليس شيئًا على الإطلاق. وبكلمات أبيقور: “الموت ليس شيئًا بالنسبة لنا”.
لتوضيح هذه النقطة ، لننتقل إلى الشاعر الروماني لوكريتيوس ، فقد كان أبيقوريًا أكثر سخرية و تهكمية من الجيل الذي يليه -القرن الأول قبل الميلاد- و قد تلقت قصيدته غير المسبوقة ( في طبيعة الأشياء On the Nature of Things ) معارضة من قبل المسيحيين الأوائل بسبب مظاهر الإلحاد. في القصيدة : يقترح لوكريتيوس فكرة سُميت فيما بعد “حجة التناظر” ، والتي تلمح إلى الشيء الثاني الذي يجب عليك فعله للتغلب على الخوف من الموت: حاول أن تتذكر ما كنت عليه قبل أن تولد، و لا أقصد كيف كان العالم ، فهذه مهمة الخيال التاريخي ، بل كيف كنت تبدو قبل أن تُخلق.
ستكتشف أن الوجود السابق للولادة ليس أمراً يمكن التفكير فيه ، ناهيك عن تجربته. وبالطبع فإن الجزء المتماثل من الحجة هو أنك تواجه نفس الصعوبة في تخيل ما يعنيه أن تكون ميتًا. وفي الحقيقة ، وفقًا لوكريتيوس ، فإن الوجود المسبق هو نفس الموت أو ما بعد الوجود: كلاهما ينطوي على غيابك. لا شك أنك لا تخشى وجودك قبل الولادة ومن المنطقي ، بالنظر إلى تكافؤهما ، فإنه يترتب على ذلك أن أن تخاف من الموت بنفس مقدار خوفك من العدم المطلق . كما قال الروائي فلاديمير نابوكوف في مذكراته: ” تخربنا الفطرة السليمة أن وجودنا ليس إلا صدع قصير من الضوء بين أبديتين من الظلام”.
يقودنا هذا إلى الأمر الثالث الذي يجب القيام به لتهدئة قلقك الوجودي: تفحص إلى أي مدى يمكن أن يكون الخوف من اللاشيء (العدم) منطقياً : بمعنى، هل هناك أي أسباب وجيهة تجعل من موتك المنتظر سبباً في إثارة مشاعر الخوف ؟ المنطقي أن تخاف الأمور التي قد تسبب الأذى. كان من المعقول قد يكون من المنطقي مثلاً أن تصاب بالذعر بشأن الأسلحة النووية خلال حقبة الحرب الباردة. أو أن تخاف لأن البشر قد حولو الكرة الأرضية إلى ساونا ؛ ومن المعقول أن يقفز قلبك من صدرك عندما تسمع شريكك يقول “نحن بحاجة إلى التحدث” نحتاج أن نتحدث” تهديدات واضحة تتنبأ بتجارب مروعة و لن تساعدنا أي منها في الوصول إلى هدفنا الأبيقوري المتمثل في أن نكون سعداء و أن يكون خوفنا منطقياً. لكن الموت بحد ذاته – وليس عملية حدوث الموت the process of dying، وهو أمر مختلف – لا يبدو أنه من النوع الذي يمكن أن يخاف منه المرء بشكل معقول لأنه ليس شيئًا. الموت ليس مؤلمًا أو مزعجًا. فأنت لم تُحرم من الحياة أو من سنوات إضافية من الرضا لأنه ببساطة أنت لست هنا حتى تعتبر نفسك محروماً فبالنسبة إليك لا يمكن تعيين الأذى الذي يسببه الموت : فالموت حالة من الوجود. إنه ليس شيئًا يحدث لك بالمعنى الدقيق للكلمة وبالتالي لا يمكن أن يكون مؤذياً.
(لن يقول أحد إن القديس فرنسيس الأسيزي أكثر موتاً من عازف الروك الشرير “جي جي” ألين لأن القديس فرنسيس مات منذ فترة طويلة). الموت هو غياب حدث ؛ إنه ليس حدثًا أو شيئًا على الإطلاق لأنه لم يعد هناك شيء مثلك بعد الآن. فهو ليس حتى أمر تحلم به أو تتخيله – على سبيل المثال فمثلاً لنقل أن شخصاً غريباً يقف بصمت بجانب سريرك أثناء استيقاظك – له نوع من الوجود الضروري ليكون هدفًا معقولًا للخوف ، حتى لو اتضح أنه كان ظل شجرة. فالموت ليست لديه هذه الميزة. ويضيف لوكريتيوس: ” ليس من المنطقي الخوف من عدم الوجود بعد الحياة بقدر الخوف من عدم الوجود قبل الولادة.”
هذا هو جوهر حجة أبيقور ولوكريتيوس أنه لا يوجد وجود سبب وجيه للخوف من الموت. لاحظ أن حجتهم لا تتناول الخوف من موت الآخرين ، وهو قلق منطقي جداً ويجب علينا أن يُناقش و يُتناول بشكل أكبر ، و ذلك لأن الخوف من موت رفاقنا البشر يجعلنا أكثر تعاطفاً مع احتياجاتهم، لكن الحجة الأبيقورية التي تعارض الخوف من الموت تتمحور حول المرء ذاته و فنائه .
عندما أمعن النظر في هذه الخطوات ، أجد أن فعاليتها تعتمد إلى حد كبير على مزاجي. أحب فكرة أن أكون قادرًا على عقلنة أفكار الخوف من الموت ، كما لو أن مجرد التفكير في الأفكار الفلسفية سيكون كافيًا لمنحي الشجاعة . لا سيما عند الشعور باليأس أو الانفصال عن العالم ، وربما يكون هناك بصيص من الراحة من الحجة القائلة بأن الموت لا شيء. لكن عادةً لا يخفف هذا النوع من التفكير الخوف من الموت بالكامل (وأجازف أن أخمن أنه بالنسبة لك أيضًا ، لا يزال الخوف موجودًا إلى حد ما)..
أدرك أبيقور هذا الأمر التالي : إن حجته في حد ذاتها ليست قوية بما يكفي لتحريرنا تمامًا من فزع وجودنا الفاني. أشك في أن أي شيء – أو بالأحرى ، لن أثق في أي شيء ، حقًا وبشكل كامل ، قد يحررالمرء من الخوف من الموت ( هناك جماعات متطرفة ، التي يبدو أنها تطبق هذا ، و نتائجها مروعة بشكل واضح ) ولكن كما يؤكد الفيلسوف المعاصر جيمس وارن ، يجب أن تؤخذ حجة أبيقور في الاعتبار كجزء من “العلاج المعرفي” للتعامل مع حياة المرء، حيث يمكن أن يكون لها ثمارها. بل ستخفف قليلاً من الخوف من الموت ، والذي بدوره يمكن أن يزيد استمتاعك بالحياة – وهذا ، بشكل عام إجمالاً، أحد غايات الوجود الأسمى.
النقاط الرئيسية