Original Habitation
Pregnant Flesh as Absolute Hospitality
FRANCES GRAY
السكن الأصلي (٢)
الجسد الحامل كضيافة مطلقة
ترجمة عبدالله المطيري
مراجعة أفنان المبارك
أساس ذاتيّ
لكي أبدأ سأقوم بالتعليق على نقطتين من أطروحة جوليا كريستيفا Julia Kristeva “الأمومة بحسب بيليني” والتي تبدأ بالسطور التالية:
الخلايا تندمج وتنقسم وتتكاثر، يتزايد عددها وتتمدد انسجتها وسوائل الجسد تغيّر ايقاعها، تزيد من سرعتها أو تخفف منها. داخل ذلك الجسد هناك آخر لا يمكن التغلب عليه ينمو كشتلة. في ذلك المكان الثنائي والغريب معا بشكل عفوي لا أحد حاضر للإشارة لما يجرى. “إنه يحدث ولكنني لست هناك”، “لا أستطيع إدراكه ولكنه يمضي قدما” هذا هو القياس المنطقي المستحيل للأمومة.
هذا الأمر من التحوّل إلى أم، هذا الحَبَل، يمكن أن نتمثّله بواحد من الخطابين التاليين: هناك العلم التجريبي وهناك الثيولوجيا المسيحية.[i]
تحاجج كريستيفا لاحقا بأن الكنيسة المسيحية الأرثذوكسية قد أعطت للمسيحية الغربية “طقوسها في تقديس أم المسيح، مهده ورقادها” والذي كان نتيجة لدمج الطقوس الشرقية بين الأم-الآلهة والخصوبة.[ii] إلا أن مقالتي هذه لن تتعامل مع العلم التجريبي ولا مع الثيولوجيا المسيحية. كذلك فإن مناقشتي لن تقوم على تحريات إمبيريقية ولكن على تأويل رمزية أولوية الحمل وكذلك الجسد السابق على الوالدية. وفي ضوء إحالة كريستيفا على الأرثذوكسية وإعادة تشكيلها للطقوس الشرقية للأم الآلهة والخصوبة والذي قادها للحديث عن الأم العذراء كـمقر –مساحة مخصوصة، منطقة معيشة و سلّم (ليعقوب)، أو باب (للمعبد في عين حزقيال)—السكن باختصار. وبالتالي فقد أصبحت اتحادا، اتصالا بلا فجوات وبلا انفصال وتلك الوظائف جعلت منها استعارة لروح القدس. [iii]
إن قراءة كريستيفا لإحالات العهد المشترك لمريم باعتبارها تجسّدا للمكان الوجودي، مع الإشارة كذلك إلى مريم باعتبارها استعارة للروح القدس أو الحب بين الأب والابن يتضمن مثالية دينية ثقافية للمرأة الحامل والأم باعتبارها الموقع أو الساحة. فكرة مريم باعتبارها وسيط بين الأب والابن بفضل أمومتها تمت المبالغة فيه من خلال مكانتها كأم عذراء. لست مهتمة هنا بالقضايا اللاهوتية التي تنشأ من هذه القراءة وكذلك فإن مفهوم “الوسيط” هو عرضي لقضايا هذا المقال، لذلك سأتجاوز تلك القضايا الآن. ما هو وثيق الصلة هنا هو أن فكرة العذراء كإمرأة وكأم وكمكان وكسكن هي على وجه التحديد المجازات الرمزية التي يمكن استقراءها لجميع النساء الحوامل. إن هبة جسد مريم لشخص آخر غير معروف ، بالمعنى اللاهوتي ، أصل الأصول ، في تكوين العلاقة البدائية بين الضيف والمضيف ، تؤكد المكانة الخاصة للحم. ومع ذلك ، فإن موافقة مريم ستكون أمراً بالغ الأهمية للنقاش القادم.
خصوصية اللحم هي محور استخدام موريس ميرلوبونتي للمصطلح. لا نتحدث هنا عن فئة وجودية دون الأخرى فلسنا هنا أمام الجسد أو الذهن بل نحن أمام فئة جديدة تقبض على معنى أن تكون إنسانا. مريم، في هذه القصة، هي نوع من المثال الثقافي الرمزي. تخبرنا قصة مريم والمسيح بشكل رمزي أن معنى أن تكون إنسانًا هو أن تكون نتاج ضيافة غير مشروطة. في الواقع، ربما تسبق مثل هذه الصور وتنبئ الفهم اللاهوتي، وهي وجهة النظر تؤيدها الاعتبارات التالية.
إن دعوى كريستيفا بأن هناك إما تفسيرًا علميًا أو تفسيرًا لاهوتيًا مسيحيًا لعملية أن تصبح أمّا أو حبلى يعكس صدى الانقسامات المماثلة لأنواع الخطاب الموجودة في أعمال هوسرل، على سبيل المثال. بمعنى أول، يمكن اعتبار هذا الخطاب محدودية للخطابات المتاحة لمثل هذه الدراسة و من ناحية أخرى، هذا الخطاب مفيد كمفهوم للتفكير الثنائي الذي تم تحديده في الدراسات الحديثة على أنه تقييمات غير نافعة لواقع العالم في الحقيقة. والأفضل من ذلك بكثير، أن الحجة ستذهب إلى الاعتراف وتحديد الاعتماد المتبادل والمعاملة بالمثل التي ينطوي عليها العالم وكذلك استخدام خطابات تعبر عن هذه العلاقة. هذا هو الحال من هيجل إلى هوسرل، إلى دي بوفوار، إلى موريس ميرلوبونتي ومن بعدهم. في تفكير الفينومينولوجيين هوسرل وميرلو بونتي تم التركيز على الجسد في العالم منذ البداية. ليست هناك معنى للتدخل وليس هناك قرار ليتخذ: فالجسد كجسد ينبثق من العالم ويتخلله. وعلى هذا الأساس فإن البنى الثنائية في التفكير التي تقسم وتفصل وتفرض ينظر لها على أنها استراتيجيات غير أصيلة لفرض السلطة والحفاظ عليها.
إذن ، يجب أن يُنظر إلى كمال الجسد من منظور علاقته في العالم ومع العالم. إذا نظرنا إلى وصف هوسرل للجسد الواعي في العالم، فإننا نرى محاولة للتعامل مع البنى الكونية التي تتجلى في تلك العلاقات والاحتمالات ، بالإضافة إلى تموضع الجسد في العالم. ينشأ المعنى من خلال قدرة المرء على التأمل، ونشاطه ، الذي يتم التعبير عنه في الكوجيتو. الجسد الحامل ليس استثناءً من مثل هذا التصور: سؤال المعنى واللغة التي يستخدمها المرء مع جميع التزاماته الأنطولوجية في صياغة ذلك المعنى تبقى وثيقة الصلة بجميع حالات وظروف الجسم الحي والذي كان حيّا. المعنى له علاقة بمركزية الكوجيتو، لكن الكوجيتو ليس جانبًا غير متجسد من الوجود إلا بقدر ما يعمل بطريقة مقصودة محددة. تلك الطريقة التي يتبناها هوسرل سابقة للعالم الطبيعي الذي نجد أنفسنا فيه ، فهو يعبِّر عنها كعمل لتحديد الأنا الخالصة.
هنا ما يقوله هوسرل:
إن العالم بالنسبة لي ليس شيئًا آخر على الإطلاق سوى العالم الموجود من أجلي والمقبول به في مثل هذا الكوجيتو الواعي. يحصل العالم على معناه الكامل ، كونيّا ومحددًا كما يحصل على قبوله على أنه موجود حصريا من مثل هذه التأملات. في تلك التأملات يستمر عالم حياتي الكامل، بما في ذلك بحثي علميًا وحياتي الأساسية. من خلال عيشي، من خلال تجربتي وتفكيري وتقديري وتمثيلي، لا يمكنني الدخول إلى عالم آخر غير العالم الذي يحصل على معناه وقبوله أو مكانته [Sinn und Geltung] في ذاتي ومنها.[iv]
يمضي هوسرل في القول محاججا بأنه بمجرد أن يضع المرء نفسه فوق هذه الحياة ولا يأخذ العالم كما هو معطى (في الموقف الطبيعي)، حينها “أنا بذلك أتحصّل على نفسي كأنا خالصة مع التدفق الخالص لتأملاتي.” لا أنوي هنا الدفاع عن بناء هوسرل للأنا المفارقة من خلال منهج الرد الفينومينولوجي. أعتقد ، مع ذلك ، أنه لا يمكن للمرء أن يتحدث عن الجسد الحي والمعيش وكذلك عن تشكيل الأنا للمفاهيم التي تعمل على أساسها في العالم ، دون ذكر الدين المستحق له من قبل علماء الظواهر اللاحقين. فكرة هوسرل القائلة بأن الجسد يعيش وفي عالم الحياة لها آثار عميقة على الجسد الحامل الذي هو مصدر الجسم الحي، قبل كل شيء لأن المعنى والرمز يتم التعبير عنه كنتيجة لنشاط الكوجيتو. إن الجسد في العالم هو نوع من الكائنات اللحمية بين الكائنات اللحمية الأخرى بتفاعلاته والمعاملة بالمثل وقدرته الرائعة على التعلم من خلال التقليد وقدرته على الإبداع والتفكير والتكاثر ، والجسد مدين لكيانه ومجيئه إلى العالم كلحم لآخَر، للحم حامل.
لذا دعونا نطرح السؤال التالي “ما لذي يجعل من الممكن ويرمز للجسد بشكل أبدي على أنه البيت الأصلي؟” وإذا استخدمنا فكرة ميرلوبونتي عن اللحم، فكيف يساعد ذلك في تحديد الطابع الفريد للعلاقة بين الجسد الحامل كمضيف والجنين كضيف؟
[i] Maurice Merleau-Ponty, Signs, trans. Richard C. McCleary (Evanston, Ill.: Northwestern University Press, 1964), 181.
[ii] Maurice Merleau-Ponty, “Dialogue and the Perception of the Other,” in The Prose of the World, trans. John O’Neill (Evanston, Ill.: Northwestern University Press, 1973), 135.
[iii] بالنسبة لهوسرل ، فإن تجربة الآخرين تتشكل على أساس تنسيق أو “تزاوج” يبدأ دائمًا من جانب الوعي., See Husserl Cartesian Meditations: An Introduction to Phenomenology, trans. Dorion Cairns (New York: Springer, 1977), 108–120.
[iv] Merleau-Ponty, Signs, 134.