ترتكزُ المعرفة الإنسانية على فكرتين أساسيّتين هما: الانسجام، والنظام. غير أنّ كلتا الفكرتين ليستا من صميم الموضوعات المدروسة في تاريخ الفكر البشري؛ فقد تعوّدنا أن ندرس تاريخَ البشريّة العام، على أنّهُ صورةٌ متّصلة لأحداث يستدركُ بعضها بعضاً، وعدّدنا الأسباب الظاهرة والباطنة التي تُخفي وراءها منطق الاحداث. لكنّ هذه الرّغبة التي تطغى على قراءتنا لتاريخية الفكر البشري، لا تعترف إلا بالمركزيّة التي يُمارسها خطابٌ ما، من خلال مفاهيمه الجبّارة والمتعالية، التي تطغى على ما عداها من المفاهيم، وتكرّس نفسها كعقيدةٍ لا محيد عنها، تلك هي المكانة التي حظي بها مفهوم العقل، ومفهوم الرّوح وغيرها من المفاهيم التي ألقت بظلالها على الفكر الغربي لقرون.