تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة “ترجم”، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة
نعم يمكننا ذلك! إذا اتفقنا على أن اللحوم لا يلزم أن تأتي من جسم حيوان.
ما هي اللحوم؟
لا يُرجَّح طرح هذا السؤال مع الأسئلة المعتادة – متوسطة الطهي أم مطهوَّة جيدًا؟ بجبن أو دون جبن؟ – شوايات مشتعلة بالنيران في جميع أنحاء الولايات المتحدة هذا الصيف. (ما لم تدعُ، بالطبع، فيلسوفًا إلى حفلة الشواء الخاصة بك.) لكنه سؤالٌ يأتي في الوقت المناسب وكيفية إجابتنا عليه وكيفية تعريفنا في النهاية لكلمة “اللحوم” يمكن أن يكون لهما تأثير كبير على مستقبل إمداداتنا الغذائية، وصحتنا وصحة الكوكب.
ليس سراً الآن أن القضية ضد اللحوم تزداد قوة. فالتكاليف الاجتماعية والبيئية والأخلاقية للزراعة الصناعية – التي تفاقمت بسبب وباء يُعزى حدوثه إلى سوق للحيوانات الحية، وصناعة معالجة اللحوم الضعيفة – قد أصبحت واضحة للغاية ومضرة بحيث لا يمكن تجاهلها. يستهلك الأمريكيون، رغم ذلك، في المتوسط أكثر من 200 رطل من لحوم الحيوانات كل عام. وسواء شئنا أم أبينا، فإنها لا تزال جزءًا من الطريقة التي ترى بها الولايات المتحدة نفسها إذ تعبر الرموز الثقافية، بدءًا من رعاة البقر ومربي الماشية إلى الأقواس الذهبية، عن علاقة الحب الطويلة المأساوية للبلاد مع اللحوم.
ولكن مثلما تغير معنى الهوية الأمريكية بمرور الوقت، تغير أيضًا الطعام الذي يأكله الناس للاحتفال بها. فقد كان عددًا قليلاً من آلات الشواء، قبل خمسين عامًا، يشمل البرغر المصنوع من التوفو أو العدس للنباتيين الطائشين الموجودين في الكثير من العائلات اليوم.
كان تعريف اللحوم واضحًا لقرون: وهو لحم الحيوان الصالح للأكل. تغير ذلك التعريف في عام 2013 عندما كشف العالم الهولندي مارك بوست النقاب عن أول همبرغر في المختبر. فقد تمكن الدكتور بوست وزملاؤه، من خلال غمر الخلايا الجذعية الحيوانية بمصل النمو، من زراعة همبرغر في معملهم. كانت شرائح البرغر الخاصة بهم تحتوي في الأساس على نفس تكوين الهمبرغر العادي ولكن من أصل مختلف؛ وعلى الرغم من أن الدكتور بوست قد قدَّر أن أول برغر في المختبر يكلف حوالي 325000 دولار، فقد انخفض السعر انخفاضًا كبيرًا، ويعد فريقه واحدًا من عدة مجموعات تسعى للمتاجرة في اللحوم المُصنَّعة في المختبر وتقديمها إلى السوق. (زُرِع أول برغر للدكتور بوست باستخدام مصل بقري جنيني، وهو منتج ثانوي من المجزر؛ وقد سعى فريقه وآخرون إلى الحصول على بدائل خالية من الحيوانات.)
أثارت هذه الفكرة المعارضة من قطاع الصناعة الزراعية، التي طلبت في السنوات الثلاث الماضية من المُشرِّعين في حوالي 25 ولاية تقديم مشاريع قوانين لمنع تصنيف منتجات اللحوم البديلة في الأسواق باعتبارها لحوم.
توقيت هذه القوانين ليس من قبيل الصدفة. إذ يعلم المشرِّعون أن بدائل اللحوم النباتية أصبحت تجارة كبيرة؛ فقد بلغ إجمالي مبيعات اللحوم النباتية 939 مليون دولار في عام 2019، بزيادة 18 في المئة عن العام السابق، في حين وصلت مبيعات جميع الأطعمة النباتية إلى 5 مليارات دولار. والسبب الحقيقي لاهتمام صناعة اللحوم بملصقات البقالة هي كونها مُهدَّدة بهذا الارتفاع في شعبية بدائل اللحوم.
كانت ولاية ميزوري هي أول ولاية قضائية يصبح فيها مشروع القانون هذا قانونًا وقد تعرض بالفعل للطعن استنادًا إلى التعديل الأول، وهو مصير ينتظر على الأرجح مشاريع القوانين في الولايات الأخرى.
تدور النقاشات الآن في العديد من الهيئات التشريعية ومحاكم الولايات المختلفة جميعها حول هذا السؤال: ما هي اللحوم؟ أفضل إجابة، من وجهة نظري، هي الإجابة التي تعتبر وصول اللحوم في المختبر فرصة لإعادة تصور فكرتنا عنها وتوسيعها.
فرَّق جيف سيبو، مدير برنامج دراسات الحيوان في جامعة نيويورك، تفريقًا مفيدًا بين أصل العنصر الغذائي، ومادته، ووظيفته. ترى وجهة النظرة التقليدية للحوم أنها يجب أن تنشأ في جسم الحيوان. ومادة اللحوم هي ما تتكوَّن جسديًا من نسيج عضلي مُؤلَّف من بروتين وماء وأحماض أمينية وباقي المكونات. ووظيفة اللحوم من ناحية هي شيء نختبره – المزيج المألوف بين الطعم والقوام في الفم؛ وتختلف هذه الوظيفة من الناحية الغذائية، إذ يمكن أن تؤثر على صحتنا للأفضل أو للأسوأ، حسب كيفية طهينا لها أو مقدار ما نستهلكه منها.
إن إطار العمل الجديد الذي سيسمح لنا بتصنيف اللحوم المزروعة في المختبر على أنها “لحوم” فحسب من شأنه أن يستلزم إعادة التفكير في هذه المبادئ. إذ أن اللحوم المزروعة في المختبر تستوفي بشكلٍ عام الشرطيْن الأخيريْن – أي المادة والوظيفة – لكنها لا تستوفي الأول وهو الأصل. (لا أُضمِن المنتجات النباتية هنا لأنها لا تفي بأيٍ من الشروط الثلاثة.)
قد يبدو من الغش إعادة تعريف اللحوم عمدًا من أجل استيعاب النسخة المزروعة في المختبر. إن التاريخ، في الواقع، ملئ بهذا النوع من المراجعة المفاهيمية. يمكن مسامحة شخصِ سُئِل قبل 100 عام عن ماهية السيارة عند تعريفه لها على أنها تحتوي على محرك احتراق داخلي أو سائق بشري يقودها. فنحن ندرك أن هذه لم تعد السمات المُعرِّفة للسيارات في عصر السيارات الذاتية القيادة والسيارات الكهربائية. كان التعريف المقبول عمومًا للزواج، بالمثل، هو الارتباط بين الرجل والمرأة؛ وعندما قُنِّن زواج المثليين في الولايات المتحدة أُعيد تصنيف هذا الإصدار على أنه خيار واحد من بين خيارات أخرى جميعها مشروعة على نحوٍ متساوٍ.
تنطوي المفاهيم المُنقَّحة للسيارات والزواج على نفس النوع من التحول. فقد أدركنا، بلغة الفلاسفة، أننا لطالما كنا نخطئ في فهم تصور واحد مُعيِّن عن السيارات أو الزواج من أجل المفهوم ذاته. وتنطوي مراجعة فهمنا للحوم لإفساح المجال للحوم المزروعة في المختبر على خطوة مماثلة. إذ يجب أن نتخلص من فهمنا للحوم حتى لا يُعَّد عنصرًا كان يعتبر ضروريًا في السابق – في هذه الحالة يتم الحصول عليه من حيوان – ضروريًا تمامًا؛ وبناءً على هذا الفهم المُحدَّث والأكثر بساطة، فكل ما يلزم لاعتبار شيئًا ما من اللحوم هو أن يحتوي على مادة اللحوم ووظيفتها. سيكون كلا المنتجين من مصادر الحيوانات والمرزوعة في المختبر مؤهليْن لاعتبارهما لحوم حقيقية، تمامًا كما يتأهل كل من الطرازين Ts و Teslas كسيارات.
هناك اعتباران يدعمان اقتطاع الدهون المفاهيمية من فهمنا للحوم بهذه الطريقة. الاعتبار الأول بديهي. تخيل أنه يُقدَّم لك قطعتان من شرائح اللحم، واحدة من مجزر والأخرى من مختبر تحتوي على نفس المذاق والتأثير الغذائي. الغذاء بحكم تعريفه هو ما نأكله، وإذا كانت تجربتنا في تناول لقمتيْن هي نفسها، فمن المؤكد أنها تستدعي مفهومًا مشتركًا.
الاعتبار الثاني لغوي. نستخدم كلمة “اللبن” لتصنيف السوائل من الأبقار وجوز الهند والأمهات المرضعات من بين مصادر أخرى. إذا كان الحليب يمكن أن يكون له أكثر من أصل واحد، فلماذا لا تكون اللحوم كذلك؟
جادل لودفيغ فيتغنشتاين في “تحقيقات فلسفية” بأن معنى كلمة ما هو استخدامها في اللغة. ونظرًا إلى أن مصطلح “اللحوم في المختبر” ومرادفاتها (“اللحوم المزروعة في المختبر”، “اللحوم المستنبتة”) مُستخدَمة بالفعل على نطاقٍ، فمن المغري تبني رأي فيتغنشتاين بالكامل والاستشهاد بالاستخدام الشائع كأسباب لإعلان إغلاق قضية اللحوم في المختبر. ولكن كي نكون منصفين، لا ينبغي أن يتحول النقاش المفاهيمي إلى مسابقة شعبية: فالزواج من نفس الجنس لم يكن يحظى بشعبية في يومٍ من الأيام، ولكن لم يحسم ذلك الخلاف حول طبيعة الزواج. إن التعامل الأكثر حذرًا مع الأدلة اللغوية يأخذنا إلى وضع عبء الإثبات على عاتق أولئك الذين قد يُعرِّفون “اللحوم” بطريقة تستبعد الإصدار المختبري. يجب أن يكون افتراضنا الافتراضي هو أنه لحم باستثناء الحجج الجيدة بخلاف ذلك.
هذه التعريفات مخادعة، مدفوعة باعتبارات مالية بدلاً من تحقيق حسن النية في معنى المصطلحات.
لقد نظر أسلافنا إلى الحيوانات بمجموعة من الطرق المختلفة – باعتبارها عملة، ووسائل نقل، وحتى أشياء ذات تبجيل ديني – مما قد يبدو لنا غريبًا الآن. وتشير اللحوم المختبرية إلى احتمالية أن يشعر أحفادنا يومًا ما بنفس الشعور تجاه تناولها.
الكاتب: آندي لامي يدرِّس الفلسفة في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو وهو مؤلف “الواجب والوحش: هل ينبغي لنا أن نتناول اللحم باسم حقوق الحيوان؟”
المترجم: باحث متخصص في العلوم الإنسانية، مهتم بالفلسفة والتاريخ.
?What If We Could Have Meat Without Murder
Andy Lamey
“الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”