١٦ أبريل ٢٠١٦
مؤخرًا، ينحو متحدثو اللغة الإنجليزية الأمريكية وكُتابها بالإشارة إلى مجموعة كبيرة ومختلفة من الاتجاهات والأحداث والميمات والمنتجات وأنماط الحياة والظواهر من كل نوع تقريبًا باسم واحد: شيء (thing). وغالبًا ما تسمع في المحادثات عند أي بدعة أو أي سلوك أو حدث مفاجئ السؤال: “هل هذا شيء بالفعل؟” أو “متى أصبح ذلك شيئًا؟” أو “كيف يكون هذا شيئًا حتى؟” إن تسمية شيء ما بـ “شيء” هو، بهذا المعنى، شيء بحد ذاته.
من السهل علينا أن ندعي أن التساؤل حول هذه النقطة ما هو إلا فضولٌ لغوي ونتناسى الأمر؛ فالصيحات والموضات اللغوية غالبًا ما تظهر ثم تختفي. لكن، لماذا أبقينا تعبير “That really gets my goat” لفترة طويلة بينما تخلينا عن تعبير “?You know your onions”. ولعل البعض يرى أن استخدام كلمة “شيء” أحد أعراض الكسل اللغوي لجيل بأكمله، وميل منه إلى عدم التفصيل، ونزعة إلى استخدام التركيبات الجذابة والفارغة وشبه الساخرة التي تخلق حاجزًا مُرضيًا يمنع أي شكل من أشكال المشاركة الحقيقية مع عالمهم المحيط.
بالتأكيد لا أود أن أسلك هذا المسلك، بل سأفترض أن اللغة والخبرة يؤثران على بعضهما البعض؛ فاللغة لا تجسد وتعكس التجربة فقط، بل تهيئها أيضًا. إنها تُحدد التجربة وتُشكل توقعاتنا لما سيحدث. فما يمكن حسبانه على أنه ميل إلى عدم التفصيل قد يُفهم على أنه طريقة مختلفة لفهم وتجربة العالم.
بالطبع، لقد لعب لفظ «شيء» دورًا متعددًا وعامًا في لغتنا، فهو يُشير إلى الأشياء المادية وإلى المسائل المجردة أيضًا. “الشيء هو…”، “هذا هو الشيء”، “المسرحية هي الشيء”(١). في هذه الأمثلة، يشير لفظ «شيء» إلى الموضوع المطروح ويهيئ المشهد لإبراز نقطة مهمة محددة. إن الاستخدام المتكرر لأداة التنكير “a” التي تسبق “شيء: a thing” يُعتبر أمر جديد للغاية. نتحدث عن شيء ما لأننا منخرطون في عملية فرز Cataloging. السؤال هو ما إذا كان هناك شيء يعتبر شيئًا أم لا. فلفظ «شيء» ليس مجرد مُعِدّ أو مُهيئ؛ بل لفظ يُعرب عن أمر ما أو ينقل معلومات بعينها.
لكن، ما تلك المعلومات؟ أحد تعريفات «شيء» الذي يتبادر إلى الذهن على الفور هو “ظاهرة ثقافية”: تطبيق جديد، مفردة من ثرثرة لمشاهير، ممارسات لأفراد تابعين لثقافة فرعية ما (٢). كما يُحتمل أن تأتي “شيء” من عبارة أروع/أحدث/آخر شيء. لكن في عالم اليوم، حيث كل شيء، بما ذلك الماضي، يمكن أن يصبح جديدًا، تعبير «شيء جديد» على وشك الاستغناء عنها، أي إذا لم يكن الشيء جديدًا فلا يُعتبرُ شيئًا.
من الواضح أن الظواهر الثقافية موجودة منذ زمن بعيد، وقد أشير إليها بكلمات كمُبتَدعات أو اتجاهات، أو أشير إليها من قبل الفئة المنتمية إليها مثل: “المنتج” و “الموضة” و “نمط الحياة”، وما إلى ذلك. السؤال: لماذا عُمِّمَ هذا المصطلح العام المتجانس عليها جميعًا؟ أعتقد أن هناك أربعة أسباب رئيسية لذلك.
أولاً، تدفق المحتوى في المجال الثقافي. إننا مغمورون بالمعلومات، هذا أمر واضح. فهي تطوقنا بمياهها العاتية إلى أن نتراجع لواقعنا المحسوس، للعمل أو للنوم أو لممارسة الرياضة وللتفاعل البشري الفعلي، حتى وقت عودتنا الحذرة إلى هواتفنا الذكية. ونظرًا لأننا نقضي المزيد والمزيد من الوقت على شبكة الإنترنت؛ أصبحت تلك المعلومات هي محتوى تجربتنا، وبهذا المعنى اكتسبت “الأشياء” اسمها. أصبح لفظ “شيء” هو الوحدة الأساسية للوجود الثقافي Cultural Ontology.
ثانيا، تشظي المجال. يتطلب وابل الثقافة اليومي أن نختار جزءًا صغيرًا من الكل لنستطيع مواكبته. توضح تصنيفات نتفليكس للأعمال الدرامية، مثل “أفلام رحلات الطريق الرومانسية السرية”، أن الفرد بحد ذاته أصبح سوقًا متخصصًا، وفي المقابل، يمكن اعتبار المشاهير كعلاماتٍ تجارية. أصبحنا على نحو متزايد مجتمعات مكونة من علامات تجارية منسجمة مع الأسواق، ومجتمعات من أسواق مُقيِّمة للعلامات التجارية. يتطلب هذا القدر من التخصيص نطاقًا أوسع من المحتوى، أي من الأشياء، لتلبية حاجة الأسواق، ولطالما تفاجأنا بتوفره! غالبًا ما يكون من الصعب علينا تخيل كيف يمكن أن تكون هذه الأشياء أشياء.
ثالثًا، سد الفجوة بين السخرية والشيء الحقيقي. لقد بلغ الإفراط العبثي في الأشياء إلى حدٍ أصبحت الحاجة الملحة إلى الانفصال عنها، والانعزال المستخِف اللازم للتعامل معها مدمجًا بشكل متزايد في الأشياء نفسها وفي تسويقها وفي لغتنا المستخدمة للحديث عنها. وبالتالي، فإن التسمية «شيء» مشوبة دائمًا بانفصال مُستخِف، بذلك نُبعد الشيء عنا، وبالكاد ننطق بكلمة «شيء» خاليةً من ذاك البريق الحذر في أعيننا. تجبرنا الظاهرة بحجمها وخصوصيتها وجنونها فعليًّا على تبني هذا الانفصال. لذا فالشكوى من أن الشباب قد أصبحوا غير مبالين ومستخفِّين في غير محلها؛ إنها الظروف التي جعلتهم على هذا الحال.
أخيرًا، الإحساس المتزايد بأن هذه الظواهر كلها متشابهة. عندما نبتعد عن «الأشياء»، تبدأ الحدود بينها بالاضمحلال فتندمج مع بعضها البعض. نسميهم جميعًا بنفس الاسم لأنهم متماثلون في النهاية: جميعهم قطع من الإنترنت. الشيء في الغالب يُجرَّب من خلال شبكة الانترنت، وكذلك يُنشأ بواسطتها. حتى لو نشأت خارجها، فإن الأشياء تدين بوجودها كأشياء لشبكة الإنترنت. وبالتالي فإن غوغل Google سيبقى مخوّلاً للإجابة على سؤال: “هل هذا شيء حقيقي؟”
إذن، فاستخدام “شيء” في لغتنا يتوافق مع حاجة حقيقية لدينا، لفرز عناصر التجربة الثقافية وتجميعها معًا، مع إبقائها على مسافة كافية منا لكي نتمكن على الأقل من التظاهر بوعي موحد في مواجهة عالم تحول إلى مجموعة من الأشلاء.
هوامش:
(١) من مسرحية هاملت لشكسبير
(٢) الثقافة الفرعية (subculture) مصطلح يعني مجموعة من أفراد مجتمع ثقافي ما يميزون أنفسهم عن القيم المحافظة والمعيارية التي ينتمون إليها.
الكاتب: مرشح دكتوراه في الفلسفة بجامعة نوتردام.
المترجم: كاتب ومترجم في فلسفة التقنية وتاريخها.
المراجع: أستاذ اللغويات المساعد بجامعة أم القرى، عضو مؤسس جمعية الفلسفة.
?Is That Even a Thing
Alexander Stern
“الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”