2025-10-19

١٣ أبريل ٢٠٢٠
هناك الواضح وهناك ما ينبغي أن يكون واضحًا جدًا. الواضح هو أن جائحة فيروس كورونا أوقفت العديد من جوانب العالم البشري. العديد من البلدان في حالة إغلاق تام. حتى الآن، أصيب أكثر من ١.٧ مليون شخص، وتوفيّ أكثر من ١٠٠,٠٠٠، ويعيش مليارات الأشخاص في خوف من ارتفاع أعداد المصابين والمتوفين بشكل متسارع. الاقتصادات في حالة ركود، مع كل ما يترتب عليها من صعوبات تؤثر على رفاهية البشر.
ما ينبغي أن يكون واضحًا، ولكن قد لا يكون كذلك للكثيرين، هو أن لا شيء من هذا يجب أن يكون مفاجئًا. كان من الممكن توقّع حدوث جائحة جديدة تمامًا، على الرغم من أن التوقيت الدقيق لظهورها وشكل مسارها لم يكن معروفًا. وهناك معنى هام في أن الجائحة هي نتيجة لأعمالنا كبشر. قد تبدو جائحة ما كارثةً طبيعية تمامًا، ولكنها في كثير من الأحيان – وربما حتى غالبًا – ليست كذلك.
ظهر فايروس كورونا في الحيوانات وتخطى حاجز الأنواع للانتقال إلى البشر ثم انتشر بالعدوى بين البشر. هذه ظاهرة شائعة. معظم الأمراض المعدية – ويعتقد البعض أن جميعها كذلك – من هذا النوع (أي حيوانية المنشأ zoonotic). ومع ذلك، تنشأ العديد من الأمراض الحيوانية المنشأ بسبب الطرق التي يتعامل بها البشر مع الحيوانات. أسواق المواد الغذائية الطازجة في الصين هي مثال بارز على ذلك. فهي المصدر المحتمل ليس فقط لفيروس كوفيد-١٩ بل أيضًا لمتلازمة التنفس الحادة الشديدة (سارس) وبعض تفشيات إنفلونزا الطيور، على سبيل المثال. (مصدر آخر محتمل لفيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-١٩ قد يكون أحد المزارع المختلطة للحياة البرية والماشية في الصين، ولكن البشر مسؤولون عن تلك أيضًا.)
تتميز أسواق المواد الغذائية الطازجة التي توجد في الصين وفي بعض البلدان الشرق آسيوية الأخرى، بعدد من السمات التي تجعلها ملائمة بشكل خاص لتكوين الأمراض الحيوانية المنشأ المعدية. يتم استضافة الحيوانات الحية في أماكن ضيقة جدًا حتى يتم ذبحها في السوق لأولئك الذين اشتروها. في هذه الظروف، يتم نقل العدوى بسهولة من حيوان إلى آخر، نظرًا لأن الحيوانات الجديدة يتم جلبها بانتظام إلى السوق في وقت لاحق بكثير. قربها من البشر، جنبًا إلى جنب مع تدفق الدم والبراز والسوائل الجسيمة الأخرى والأجزاء، جميع ذلك يسهّل عملية انتقال العدوى إلى البشر. بمجرد حدوث انتقال من الإنسان إلى الإنسان، يكون التفشي الوبائي هو النتيجة المتوقعة، ما لم يتم احتواء المشكلة بسرعة. يمكن للسفر الجوي العالمي تحويل التفشي الوبائي إلى جائحة في غضون أسابيع أو أشهر، كما حدث بالضبط مع فيروس كورونا.
هذه الظروف تسهّل ظهور الامراض المعدية الجديدة وتسبب أضرارًا مروعة على الحيوانات—حيث يتم الاحتفاظ بها في أماكن محصورة ومن ثم ذبحها. ببساطة، فأن جائحة فيروس كورونا هي نتيجة لمعاملتنا السيئة للحيوانات.
أولئك الذي يعتقدون أن هذه مشكلة صينية وليست بشرية يجب أن يُعيدوا التفكير. ليس هناك نقص في الأمراض الحيوانية المنشأ التي نشأت نتيجة سوء معاملتنا للحيوانات. فمن المرجح جدًا أن مصدر فيروس نقص المناعة البشرية (إتش. آي. في.)، على سبيل المثال، هو فيروس نقص المناعة القردية (إس. آي. في)، وأكثر طريقة محتملة لعبور حاجز الأنواع هي عبر دم قردة غير بشرية يتم ذبحها للاستهلاك البشري. بالمثل، من المحتمل أن مرض كروتزفيلدت-ياكوب البديل له أصوله في نظيره البقري—داء جنون البقر—والآلية الأكثر احتمالًا للانتقال هي عن طريق استهلاك البشر للأبقار المصابة.
في المستقبل، ينبغي علينا أن نتوقع بشكل كامل أن سوء معاملتنا للحيوانات سيتسبب في دمار جنسنا البشري. بالإضافة إلى الأوبئة المستقبلية، نواجه خطرًا حقيقيًا جدًا من ازدياد المقاومة للمضادات الحيوية. والمساهم الرئيسي في ذلك هو استخدام المضادات الحيوية في صناعة الزراعة الحيوانية، سواء كعوامل تعزيز النمو (لجعل الحيوانات تصل إلى وزن الذبح في أسرع وقت ممكن) أو للحد من انتشار العدوى بين الحيوانات التي يتم تربيتها في ظروف معيشية قاسية ومرهقة في مزارع “المصانع” المكثّفة.
من الممكن تمامًا أن يشهد مستقبل البشرية عودةً إلى العصر السابق لاكتشاف المضادات الحيوية، ذلك العصر الذي كان الناس فيه يموتون جماعاتٍ بسبب التهاباتٍ كانت تُعالج بفعالية منذ اكتشاف البنسلين وغيره من العوامل المضادة للبكتريا في مراحلها الأولى. إن صحّ ذلك، فقد يتبيّن أن عصر المضادات الحيوية لم يكن سوى فترة وجيزة فاصلة بين فترتين أطول بكثير في تاريخ البشرية، كنا فيهما نستسلم بأعداد هائلة للعدوى البكتيرية. هذا التوقع، والذي يمكن القول بأنه أكثر رعبًا من الأزمة الحالية، لا يزال واقعًا حقيقيًا. نحن كنوع بشري نعلم بهذه المشكلة، ولكننا لم نقم بما يجب فعله حتى الآن لتفاديها (أو على الأقل لتقليل فرص حدوثها).
ما تظهره هذه الأمثلة وغيرها العديد من الحالات هو أن إيذاء الحيوانات يمكن أن يؤدي إلى ضرر كبير للبشر أنفسهم. وهذا يقدّم سببًا يعتمد على المصلحة الذاتية – إلى جانب الأسباب الأخلاقية الأقوى – يدعو البشر إلى معاملة الحيوانات على نحو أفضل. لكن المشكلة هي أن حتى المصلحة الذاتية نفسها ليست دافعًا كاملاً ولا كافياً. فبرغم كل ما نتباهى به حين نسمي أنفسنا بـ “الإنسان العاقل Homo sapiens”، إلا أننا نظهر قدراً قليلًا جدًا من الحكمة، حتى في أبسط صورها العملية.
وليس هذا إنكارٌ لما حققته البشرية من إنجازات فكريةٍ عظيمة، لكن تلك الإنجازات تقترن في الوقت نفسه بنقائص معرفيةٍ وأخلاقيةٍ كثيرة، منها ثقتنا المفرطة بقدرتنا على حلّ المشكلات. بشكل عام، يستجيب البشر للأوبئة بدلًا من العمل على الوقاية منها. فنحن نحاول منع انتشارها بعد ظهورها، ونسعى إلى ابتكار علاجاتٍ للمصابين بها. وقد أظهرت الأزمة الأزمة الحالية سخافة هذا النهج. أما أقصى ما نبلغه من الوقاية، فهو الجهد المبذول لتطوير اللقاحات، لكن حتى هذا النوع من الوقاية لا يعدو أن يكون استجابة لاحقة، إذا تُطوّر اللقاحات بعد ظهور الفيروسات أصلاً. وكما أثبتت تجربة فيروس كورونا، بمكن أن يوجد فارق زمني كبير بين هذا ظهور الفيروس وتطوير لقاح آمن وفعّال، وخلال تلك الفترة قد يُلحق الفيروس، ومعه محاولات الحدّ من انتشاره، أضراراً جسيمة بالبشر والمجتمعات.
إن الوقاية الحقيقية تقتضي اتخاذ خطواتٍ تُقلل منذ البداية من احتمال ظهور الفيروسات أو غيرها من العوامل المعدية. ومن بين الإجراءات الحاسمة في هذا الصدد، أن نتبنى نظرة أكثر عقلانية—وأكثر تعاطفًا—إلى طريقتنا في معاملة الكائنات غير غير البشرية، وأن نقوم بخطوات مرافقة لهذه المراجعة تترجم الفهم إلى فعل عملي ومسؤول.
قد يعتبر البعض أنه من انعدام الحسّ تسليط الضوء على مسؤولية الإنسان عن الجائحة الحالية ونحن مازلنا في خضمّها. أليس من غير اللائق أن نواجه أنفسنا بهذه الفوضى التي كانت من صنع أيدينا؟ لكن مثل هذه المخاوف في غير محلها، فقد مضت تحذيرات سابقة من خطورة سلوكنا، في أوقاتٍ كانت أكثر هدوءاً وأقل ذعرًا، دون أن نصغي إليها. ومن الممكن بالطبع أن يحدث الآن ما حدث من قبل— أن نستيقظ لحظة ثم نعود إلى النسيان، وسوابق التاريخ كثيرة على ذلك. ومع ذلك، وبالنظر إلى خطورة ما هو على المحكّ، فمن الأفضل أن نخاطر بشيء من التهمة باللامبالاة أو القسوة على أن نفوّت فرصة قد تحدث تغييراً إيجابياً. فهنا تتعلّق حياة الملايين من الأرواح، وتُعلّق معها إمكانية تجنب آلام لا حصر لها.
الكاتب: ديفيد بيناتار أستاذ الفلسفة ومدير مركز أخلاقيات البيولوجيا بجامعة كيب تاون. أحدث كتبه “المأزق البشري: دليل صريح لأكبر أسئلة الحياة.”
المترجمة: أستاذة مساعدة في الأدب الإنجليزي في كلية الجبيل الصناعية. عضوة في جمعية الفلسفة، ونشرت لها الجمعية عدة ترجمات.
المترجم: أستاذ اللغويات المساعد بجامعة أم القرى، عضو مؤسس جمعية الفلسفة.
Our Cruel Treatment of Animals Led to the Coronavirus
David Benatar
“الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”
