أولًا وقبل كل الآلهة خلقت إيروس إله الحب
بارميندس*
تمهيد:
تحدثنا في هذه السلسلة عن جملةً من الفلاسفة منطلقين من مفهوم “المبدأ” كخيطٍ هادئ يقودنا لمعرفة “ماهية” التفلسف، فكان طاليس يقول بأن كل ما في الكون يأتي أي يوجد ويفسد من أصلٍ واحد هو الماء، ثم جاء من قال بالهواء والأبيرون حتى تم جمع كل العناصر الأربعة الماء، الهواء، النار، الأرض مع امبذوقليدس، في هذه المقالة سوف ننظر في المدرسة الأيلية والتي غيرت دفة البحث بحيث لم تعد المبادئ داخلةٌ في العالم بل مبدأ يكمن وراء العالم أو فوقه أو يتجاوزه، وعليه ليس من الغريب أن تكون ولادة الميتافيزيقا في سياقها الغربي ترسخ منذ بارميندس، فما هي الفلسفة البارمينيدية؟
مبدأ بارميندس:
الصياغة الشهيرة والتي وردت في قصيدة بارميندس تعبر عن المبدأ الذي منه صدر كل شيء وهي : الوجود موجود واللاوجود ليس موجود. ببساطة الوجود هو كل ما هنالك وهو ما يسميه طريق الحق مقابل طريق الظن doxa وهذه الصياغة تُعبر عن مبدأ مهم أخر وهو : لا شيء يصدر من لاشيء. من هنا يأتي السؤال عن العدم فهل في نسق بارميندس مكانٌ للعدم؟ إن العدم ليس له وجود وما نفكر فيه كلاوجود هو بالضرورة موجود وهذا ما يقودنا إلى المبدأ الثاني من فلسفة بارميندس أي: الفكر والوجود هما الشيء نفسه. فما نفكر فيه هو ما يوجد ومن ثم ولدت نظرية التطابق في الحقيقة أي أن الحقيقة هي تطابق الفكر مع الموضوع، هايدغر ينفي ذلك عن بارميندس ويرى أن ولادة مفهوم الحقيقة كتطابق بدأ مع أفلاطون الحقيقة بوصفها صواب الحكم وبوصفها قضية، هنا لن أرجح قولًا على آخر بل هدفي هو أن نزرع شيءٌ من الشك في تلك التأويلات السائدة .
من المهم هنا أن نلفت النظر إلى أن الوجود الذي يتحدث عنه بارميندس ليس ما يظهر لنا أمام حواسنا، بل هو الوجود الذي يقف خلف ذلك، من هنا جاء نفي الحركة مع تلميذه زينون لأن الحركة تعني انتقال من مكان إلى أخر والانتقال يشترط العدم ومن ثم لا وجود للحركة؟ هل الفلاسفة مجانين؟ حين نفهم كيف ينظر بارميندس للولادة والموت البداية والنهاية نعي بأنه ليس مجنونًا لأنه يملك حجةً تدعم قوله فهو ليس قولًا عشوائي، بمعنى أن الحركة والوجود الحسي بمثابة السراب فنحن نرى السراب لكن ليس له وجود حقيقي، وقس على ذلك مفاهيم من قبيل البداية والنهاية والموت والحياة يقول بارميندس في قصيدته: وهكذا إذن فإن كل هذه الأشياء ليست سوى أسماء أطلقتها الكائنات الفانية بسرعة تصديقها المعهودة ولادة وموت وجود ولا وجود.(بارميندس، ٢٠٠٢، ص١٩٦) ومن هنا أيضًا يطلق بارميندس حزمة الصفات على الوجود ثابت، أبدي، ليس قابلًا للانقسام. وقد يكون ثمة أثر بوذي في هذه العقيدة وهو ما ذكره ديوجين عن بيرون وأبيقور من لقائهم مع الحكماء العراة، وبالجملة هذه فلسفة بارميندس والتي نشأ عنها مبحث الوجود أي الميتافيزيقا : أي ميتافيزيقا صالحة اليوم إذن؟
غادامير (٢٠٢٠). (ترجمة) علي حاكم صالح و حسن ناظم. بداية الفلسفة. دار الكتاب الجديد.