2025-10-05
١١ سبتمبر ٢٠١٩
رواياتنا التي تبعث على الشعور بالسعادة تعيد العبء إلى كاهل المظلومين وتعفي الدول الغنية من العقاب
الحلول أحيانا تحل المشاكل وفي بعض الأحيان تمضي في البحث عنها. غير أن الحلول أحيانا تصرف الانتباه عن جوهر المشكلة.
ومن الأفكار التي صرنا نعتبرها من هذا النوع الثالث من الحلول فكرة أن تمكين المرأة يمكن أن يوقف الفقر العالمي. يعتبر كتاب ميليندا جيتس الأخير “لحظة الصعود” (The Moment of Lift) هو أحدث تلك التوصيفات الشهيرة خلال الخمسة عشر عامًا للمرأة في جنوب الكرة الأرضية والذي ينقل مسؤولية الفقر العالمي بعيدًا عن أكتاف دول الشمال ويضعها على كاهل القوى المحلية المتحيزة ضد المرأة. من فيلم “نصف السماء” (Half the Sky) الأكثر مشاهدة لنيكولاس كريستوف وشيريل وودان، إلى مقاطع “تأثير البنات” (Girl Effect) واسعة الانتسار لشركة نايكي، إلى الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة الأوسكار “نقطة. انتهت الجملة” (Period. End of Sentence) الذي يتناول مشكلة الفقيرات مع “الدورة الشهرية”، في كل ذلك تركّز نقاشاتنا على أن تحرير النساء الفقيرات من ثقافتهن كفيل بأن يجعلهن غير فقيرات.
بالتأكيد، النساء في جميع أنحاء العالم بحاجة ماسة إلى المساواة بين الجنسين. لكن الطريقة التي نضع بها تمكين المرأة في صلب تصورنا للفقر العالمي ينتهي بها الأمر إلى أكثر من مجرد لفت الانتباه إلى التحيز الجنسي. نحن نبني قصة تعفينا – نحن مواطني الدول الغنية – وتضع متهمين آخرين في مكاننا.
خذ بعين الاعتبار جوسلين، وهي امرأة في الأحياء الفقيرة في مانيلا تلعب دور البطولة في فيديو يروّج لحملة كوكاكولا “#5by20” لتمكين المرأة. الآن بعد أن شاركت في برنامج صنع المجوهرات الذي ترعاه الشركة، أصبحت “مصدر إلهام للعمل الجاد” وتركت زوجها المخمور الذي يسيء معاملتها. أما سردية فيلم “Period. End of Sentence” حول كيف أن تابو الدورة الشهرية يتسبب في ترك الفتيات للمدرسة. أو مناقشة وفيات الرضع الناجمة عن الإيمان بالأرواح الشريرة التي تتصدر حوار السيدة جيتس لصحة الأم والطفل. تتبع هذه الروايات معادلة بسيطة: أن النساء في الجنوب العالمي تمنعهن العادات المحلية ويمنعهن رجال سمر وسود من القيام بأشياء ثمينة.
(صورة من الفيلم الوثائقي “Period. End of Sentence” الحائز على جائزة أوسكار)
هذه الصورة جزئية في أحسن الأحوال، بالنظر إلى حقيقة أسباب فقر المرأة واضطهادها. لا شك في أن السياسات التي تروّج لها الحكومات الغنية هي وراء أن ما يقرب من نصف سكان العالم يعيشون على أقل من خمسة دولارات ونصف في اليوم. على سبيل المثال، غالبًا ما تفرض الدول الغنية اتفاقيات تجارية غير عادلة على الدول الفقيرة. وعادةً ما تطلب من البلدان النامية قبول الواردات مع تقييد دخول المنتجات من البلدان النامية إلى أسواقها. وبالمثل، فإن قوانين براءات الاختراع التي تحمي شركات الأدوية غالبًا ما تحرم الفقراء من الأدوية المنقذة للحياة.
هذه السياسات لا تجعل المرأة فقيرة فحسب، لا بل تجعلها كذلك غير متساوية مع الرجال. استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، تعمل أربعة وثلاثون دولة على خفض نفقات الرعاية الصحية. عندما تُخفَّض الرعاية الصحية، لا يتوقف الناس عن الإصابة بالمرض؛ من ثم يسد النساء هذا النقص بأن يعتنين بالمرضى مجانًا. عندما بدأت سياسات صندوق النقد الدولي تشجع البلدان على تقليل حجم حصة الضمان الاجتماعي، يصبح من المستحيل عمليًا توسيع نطاق حماية العمال ليشمل العاملين في القطاعات غير الرسمية التي تتركز فيها النساء.
جادل نسويات ما بعد الاستعمار بأن الغرب يعتبرون أنفسهم “حديثين”: بعبارة أخرى، متقدمين أخلاقيًا وبعيدين عن التقاليد. التقليد في هذا السياق، هو ما يسبب التسلسل الهرمي – الذي يضع ملاّك الأراضي فوق عمّال الأراضي والرجال فوق النساء – إذا كانت التقاليد هي المتسببة في ظهور التسلسل الهرمي، وتجاوزت الثقافات الغربية التقاليد، فإن التحيز الجنسي موجود أساسًا في الثقافات “المتخلفة” الأخرى. لكن من الواضح أن هذه الافتراضات خاطئة.
اصمت صمتا شبه كاملٍ عن ما يحدث في الاقتصاد العالمي من برامج للتنمية تساعد النساء، ولن ترى إلا الصورة التي تنقل المشاركة الإيجابية لدول الشمال. صورة أننا نحن الغربيين ندعم النساء الفقيرات و نسعى لرفع مستوى معيشتهن، أما ثقافاتهن وأسرهن فلا يسعون إلا لتمزيقهن.
كما يروج أنصار الرأسمالية غير المقيدة لفكرة أنّ إنهاء الفقر هو مسألة تغيير الأفراد الفقراء واحدًا تلو الآخر – فتعليم المرء الصيد من المفترض أن يجعله يطعم نفسه طوال حياته. دقق في هذا الرأي وستجد أنه يصور لك أن الفقر ناتج عن نقص المعرفة ولا ينقل لك حقيقة أن البحر ليس فيه أي سمك.
وبالمثل، نحن نفضّل قصة نجاح امرأة تبني نفسها من الصفر بماكينة الخياطة أو برعاية الماعز. خلال القرن العشرين، كانت صور النساء الفقيرات كضحايا هي الصورة السائدة. اليوم، نراهن بطلات خارقات مستعدات لرفع مستوى عائلاتهن ودولهن ما إن يحصلن على قرض بقيمة سبعين دولارًا يحررهن من أزواجهن ومن ثقافتهن التي تمنعهن من العمل مقابل أجر.
ومع ذلك، فإن نوع العمل الذي تقوم به النساء الفقيرات، والذي تقوم برامج التنمية بتوجيههن إليه، ليس من النوع الذي يخرج الناس من الفقر. فراعية الماعز والخادمة والخياطة، على سبيل المثال، هي وظائف ذات أجور زهيدة ولا تتمتع بأي مزايا مما يجعل النساء عرضة لسوء المعاملة. وهن أيضًا غير مستقرات – يحضرن اليوم ويتغيبن في اليوم التالي. لن تظهر وظائف أفضل ما لم يتغير الاقتصاد العالمي. يُعد التمييز في التوظيف بين الجنسين مشكلة خطيرة، ولكن الأمر لا يعني أن معظم البلدان النامية تعج بالوظائف ذات الأجر الجيد التي تُستبعد منها النساء.
إن التأكيد على أن المرأة تحتاج فقط إلى وظيفة لتخرجها من الفقر يشير إلى أن المشكلة تكمن في عدم عملها بما فيه الكفاية. لكن النساء في جنوب الكرة الأرضية، كما تقول ديان إلسون من الموارد “التي أفرط في استخدامها”. النساء اللواتي يفترض أنهن يخرجن أسرهن من الفقر يقمن أيضًا بالطهي وحمل الوقود والزراعة ورعاية الأطفال وكبار السن لأكثر من 14 ساعة في اليوم. يؤثر هذا العمل على النساء عبر الثقافات، لكن الاقتصاد العالمي يزيد الأعباء على النساء في الجنوب بشكل خاص.
بدلاً من الإيحاء بأن النساء الفقيرات لا يعملن بشكلٍ كافٍ، فإن السردية التقليدية تشير أحيانًا إلى أنهن لا يعرفن ما يكفي. كما احتاجت جوسلين من شركة كوكاكولا إلى تعلّم صناعة المجوهرات. وفي كتاب السيدة جيتس، تحتاج المزارعات إلى التكنولوجيا على شكل بذور معدلة وراثيًا. ومع ذلك؛ فإن الجوع مدفوع بنقص القوة الشرائية أكثر من نقص الغذاء. يغادر الطعام الذي تزرعه النساء الأفريقيات الريفيات بشكلٍ روتيني إلى المدن والبلدان الأخرى. وطوال الوقت، تشجع المؤسسات المالية الدولية السياسات التي تدفع المزارعين في إفريقيا بعيدًا عن أراضيهم.
لا يجب أن يتحول مفهوم تمكين المرأة إلى مفهوم يوجه نظرنا إلى الأسباب المحلية للفقر. عادةً ما تعود أصول المفهوم إلى الناشطات من جنوب الكرة الأرضية، اللواتي تضمنت رؤيتهن تغيير المؤسسات المحلية والعالمية. كان هذا يعني تغيير القواعد الاقتصادية للعبة التي أبقت النساء في الخلف واعطاء النساء صوتًا على طاولة صنع القرار العالمية. كان تمكين النساء الفقيرات – في نظرهن – أمرًا لا ينفصل عن فعل شيء حيال الفرق الشاسع الذي يفصل بين الأغنياء والفقراء في العالم.
قد يبدو تسليط الضوء على حال النساء الفقيرات أمرًا جيدًا، حتى لو كانت طريقتنا في القيام بذلك تغفل دورنا في فقرهن. ولكن طالما أننا لم نفهم نطاق المشكلة، فلن نقطع شوطًا كافيًا في حلها، وفي الواقع، قد نجعل الأمر أسوأ. كانت نتيجة التركيز على توليد الدخل “تأنيث المسؤولية”، حيث تبذل النساء المزيد والمزيد لإعالة أسرهن بينما يتجاهلن احتياجاتهن الخاصة، ويجدن أوضاع أسرهن ومجتمعاتهن تتدهور.
بدلاً من أن نبني أفعالنا على فكرة أن النساء لا يعملن بشكل كافٍ، أو أن ثقافاتهن تمنعهن من العمل، يجب أن نعترف بأن الاقتصاد العالمي يتطلب الكثير من النساء اللاتي يتعرضن بالفعل لضغوط مفرطة. أو حتى بشكل أكثر تواضعًا، يمكننا أن نبدأ الحديث ولو قليلاً، حول كيف أن سياسات الدول الغنية هي جزء من أحجية الفقر.
لذلك حين ترى في المرة القادمة احتفالًا يرى أن الحل في تمكين المرأة، اسأل نفسك ما هي المشكلة. قد تدرك أن المشكلة ليست في النساء الفقيرات في جميع أنحاء العالم، ولكن المشكلة فينا.
الكاتبة: أستاذة الفلسفة في كلية بروكلين في جامعة مدينة نيويورك ومؤلفة كتاب “تحرير الشمولية: أخلاقيات نسوية عابرة للحدود”.
المترجمة: حاصلة على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي واللغويات في جامعة الملك سعود. تصب اهتماماتها في مجال الأدب والنقد والكتابة والترجمة.
المراجع: أستاذ اللغويات المساعد بجامعة أم القرى، عضو مؤسس جمعية الفلسفة.
?Why Are Poor Women Poor
Serene J. Khader
“الآراء والأفكار الواردة في المجلة/المقال تمثل وجهة نظر المؤلف فقط”